كيف تبدو انتخابات مجلس الطلاب في جامعة كيب تاون بجنوب افريقيا؟

لأني كنت ناشطا طلابيا ورئيسا للجنة الطلاب العرب في جامعة حيفا (الاسرائيلية)* عن كتلة اقرأ الطلابية الاسلامية –وكم أعتز بذلك-  فقد اهتتمت بشكل خاص بانتخابات مجلس الطلاب التي عقدت في جامعة كيب تاون بجمهورية جنوب افريقيا قبل حوالي الشهر، ودهشت من مدى التنظيم والهدوء والإيجابية التي سادت الانتخابات، مقارنة بانتخاباتنا السعيدة. 

وجامعة كيب تاون (Univercity of Cape Town – UCT) هي من أعرق الجامعات في القارة الافريقية قاطبة، وقد احتلت المركز 107 في قائمة أفضل الجامعات في العالم (بناء على النتاج البحثي، الانجازات العلمية، الخ). ويدرس فيها طلاب من كافة شرائح المجتمع في جنوب افريقيا التي عرفت بتاريخ مكافحتها لنظام الفصل العنصري (Apartheid) الذي من خلاله قامت قلة قليلة من الاوروبيين البيض بالتحكم بثروات البلاد و"حشروا" السكان الاصليين من السود في غيتوهات ومجمعات سكانية كبيرة، حددوا لهم اين يمكنهم السكن بل وأين يمكنهم الظهور. انتهى نظام الفصل العنصري الابرتهايد في 1991.

فالجامعة فيها طلاب بيض (من اصول هولندية وبريطانية بالأساس)، وطلاب "ملونون" – (coloured) وهي تسمية تطلق على السكان من اصول آسيوية وبالأساس من ماليزيا والهند؛ طبعا الى جانب السكان الاصليين السود من القبائل الافريقية المحلية، ومنها الزولو.

هذه مقارنة بالصور والفيديو بين اجواء الانتخابات التي شهدتها بنفسي في جامعة كيب تاون، واجواء الانتخابات في جامعة حيفا، التي شهدتها بنفسي أيضا وكنت جزئا منها ومرشحها فيها.

يوم الانتخابات لم يشعر أحد ان هناك انتخابات!!

صناديق الاقتراع تم توزيعها في أرجاء مجمع الجامعة ، بين المباني المختلفة، ولم توضع في نقطة واحدة يكون الزحام فيها مثل الزحام حول الكعبة.

اضغط على الصور لتكبيرها

لم تكن هناك أي حراسة خاصة بصناديق الاقتراع مطلقا. لم يكن هناك أكثر من 50 رجل أمن كما يحصل في انتخاباتنا المجيدة. لم يكن حتى رجل أمن واحد والله العظيم !!

لم يكن هناك ألف ناشط طلابي-سياسي يتعربش كل طالب مسكين في طلوعه ونزوله لاقناعه بالتصويت للحزب الذي يمثّله. وخاصة لم يكن هناك عمالة اجنبية تستقدمها الكتل الطلابية المتنافسة لتكثير سوادها وتعزيز وجودها لقذف الرعب في اعدائها.

 


لم يكن هناك مراقبون على الصناديق، ومشرفون على عملية التصويت، ولولا شوي كاميرات مراقبة في داخل قمرة الاقتراع، و100 عين تراقب من يدخل ويخرج منعا للتزوير.

آه.. لم تكن هناك أي محاولة تزوير ببساطة لأن كل كتلة سعت لأن تعرف مدى دعم الطلاب لها قبل كل شيء، فالانتخابات وسيلة ولم تكن هدفا.. وكما قال مايك اوفيرول كل كتلة تسعى للفوز بجدارة، بأمانة، وبمصداقية.. ليت "الرفاق" يفقهون ذلك!

 كان كل صندوق اقتراع معه مرافق واحد لم يكن مفتول العضلات، (بل إن معظمهم من الاناث)، وظيفته فقط ان يشرح للطالب الذي يود الاقتراع كيفية الاقتراع. لم يكن معه اي سلاح رشاش ليحول دون محاولة سرقة الصندوق او العبث بمحتوياته (كما حصل سابقا في انتخاباتنا المهيبة).

لم تحصل أي طوشة، ولا مناوشة ولا مشادة، ولا حتى جحرة لا من قريب ولا بعيد. اصلا بالكاد تلاحظ وجود الاحزاب في الساحة.. هناك اربع او خمس خيم هزيلة نصبت في الساحة المركزية، ضمت كل منها 3 او 4 ممثلين عن الكتل الطلابية المتنافسة، كان دورها يقتصر فقط على توجيه الطلاب لكيفية التصويت.

تمنيت أن يتعربشني احدهم، أن يستوقفني، أن يحدثني، أن يحاول اقناعي او على الاقل يسألني ان كنت صوتّ ام لا. لم يفعلها أحد. ذهبت بنفسي وتعربشت احدهم وسألته بعض الاسئلة، وهذا الفيديو للمقابلة القصيرة التي اجريتها معه (آسف لعدم الانسجام الكامل بين الصوت والصورة):

 

طريقة التصويت : يتم اعطاؤك بطاقة فيها اسماء كل المرشحين، عليك اختيار 11 مرشحا على الأكثر من القائمة من خلال وضع اشارة X في مربع المرشح الذي تود انتخابه. بسيطة جدا. هذه صورة البطاقة:

 

هناك اجواء ايجابية جدا. احدى الكتل نجحت في استقطاب عدد هائل من الطلاب.. لكن لأي هدف؟ شاهد الفيديو لتعرف


كما ترون فقد كانت توزع "شعر البنات" على الطلاب

لكنها لم تحاول اقناع اي طالب بالتصويت (لا ادري ماذا تسمون انتم شعر البنات هذا الذي يظهر في الفيديو .. ان كنت تعرف له اسما آخر (شعر النعجات مثلا) يا ريت تنوّرنا).

 

احدى الكتل ابدعت أكثر، وقامت بتبخير الكامبوس برائحة الشواء.. ولا ادري ان كان هذا عاملا مقنعا لأن يصوت الطلاب لتلك الكتلة.. لا ادري ان كان اللحم حلالا .. وحتى لو كان حلال فالشخصة التي كانت تشوي لم تكن حلالة أبدا  : )

 

اجواء هادئة، رائعة، مريحة، وما الى ذلك من الاوصاف الطيبة. طيب لماذا عنا غير؟ لماذا يجب في كل سنة أن نبهدل انفسنا ونظهر في أقرف صورة لنا، وأعمقها تمزقا وتشتتا وفرقة، وأمام من؟ أمام اولاد عمنا اليهود في الجامعة؟؟ لماذا لا تعتبر الانتخابات ناجحة إلا إذا كانت هناك طوشتين على الاقل، و7 مشادات كلامية، و40 جحرة خلال يوم واحد؟

 

لماذا عندنا هناك تزوير أو محاولات تزوير، في أقل تقدير؟ لماذا عندنا يجب ان نستأجر شركة Black Water لتأمين الحماية لصناديقنا الموقرة في كل مرة خوفا من عمليات سطو مسلح عليها وكأنها مدحوشة بسبائك الذهب؟

سأكون صريحا. أنا من اقرأ، ومع أن اقرأ وابناء اقرأ تترفع والحمد لله عن كل الممارسات الصبيانية المنفلتة السيئة، إلا أننا نحن أيضا كدنا أن ننجر الى "طوشة" في احدى المرات، ونحن اضطررنا للانخراط في مشادات عقيمة، ونحن اضطررنا لاستقدام انصارنا من خارج الجامعة لما ان رأينا الكتل المنافسة تفعل ذلك، ونحن اصررنا على وجود مشرفين على عملية التصويت، لكننا فعلنا كل ذلك اذ لم يكن بد مما ليس منه بد، ولم يكن مناص مما لم يكن منه خلاص!

 

إن مسؤولية كل المظاهر السلبية التي شهدناها ولا زلنا في انتخابات لجان الطلاب العرب في الاراضي الفلسطينية المحتلة في الداخل مردها الى نهج من استنّ تلك السنن القبيحة منذ البداية.

المسؤولية يتحملها من كان يتفرّد بصناعة القرار بصورة دكتاتورية مقيتة مستغلا ضعف منافسه. المسؤولية يتحملها من كان الريادي في حملات الاستفزاز خلال الانتخابات، والمقارعة، والمناكفة، والمجاقرة، والمجالقة، والتزوير، والتزييف، وما شئت من الاوصاف السيئة التي لا تحصى.

تتحملها الكتلة التي برعت في التزوير في الانتخابات الماضية ولم تتوان عن محاولة انقاذ نفسها بواسطته ايضا في الانتخابات الاخيرة. الكتلة التي يُضرب بكثير من بنشطائها المثل بسوء الاخلاق (وكثيرون منهم ما أروعهم.. نقولها كي نكون منصفين) وعبقرية الاختلاس وقبح الممارسات.

ولولا كل ذلك.. لكانت انتخاباتنا مثل انتخابات جامعة كيب تاون وأفضل.

الظاهرة الوحيدة السلبية التي صادفتها هي قيام احدى الكتل بلصق ملصقاتها على الاجزاء الخلفية لمقاعد حافلة الطلاب.. ليت هذه تكون مشكلة انتخاباتنا الوحيدة أيضا!

بالمناسبة، انا صوتّ ل11 مرشحا. لأني لم اعرف طبيعة الكتل وتوجهاتها، اخترت ان اصوت ل6 مرشحين في كتلة هي الوحيدة التي ضمت ممثلين مسلمين (وهم الممثلون الستة الذين اخترتهم) وهي SASCO، اضافة الى كتلة اخرى لا اعرف شيئا عنها هي DASO، سوى أن من اجريت معه المقابلة أعلاه هو منها، ووعدته انني سأصوت له ولكتلته. وقد أنفذت وعدي فعلا وصوتّ لهم. تبين لي لاحقا أن تلك الكتلة مناصرة للصهيونية بشدّة وأيضا لحركة الشذوذ الجنسي في الجامعة.. ما تقولوش لحدا : )

*(اقرأ مقالتين نقديتين كتبتهما بعيد عقد الانتخابات وفوز اقرأ فيها في جامعة حيفا ، هنا و هنا )

 

مقاطع فيديو اضافية من اجواء الانتخابات وفيها شوية نغاشة من الملقوف كاتب هذه الاسطر

 

هل بالغت قليلا أم كثيرا ؟؟؟

 

 

19 تعليقات

  1. محمد ابراهيم كبها

    مقال ممتع … مبدع دائما كما اعرفك واعهدك ….
    صدقت أخي معاذ ليتهم يفقهون هذه المعاني وهذه القيم …
    لكن أخي صدقني هؤلاء بجامعة كيب تاون لديهم مشاريع يقدمونها أما من عندنا فغالبا لا تجد لديهم ذلك … إلا من رحم ربي … وإن وجد لا يقدمونه ولا يكن التركيز عليه إلا بشكل لا يليق بالحركة الطلابية… ويهتمون بالهجوم على التيار الاسلامي … ويتفرغون للمشاحنات والمناكفات الحزبية …

  2. اعجبني الموضوع الممتع والمتميز والذي اتسم بقدر كبير من الموضوعية..
    وبما أنني عايشت إنتخابات جامعة حيفا أستطيع القول أنك محق، مع أن أجواء الإنتخابات في حيفا كانت جميلة، وفقط الأجواء.. ما قلته سليم مائة بالمائة وهذه هي حال شعوبنا العربية التي لم ترتقي بعد للأسلوب الحضاري المنشود.. هناك بعض الملاحظات عن قضية الأمن وأماكن الإقتراع إلا أن الملاحظتان لا مكان لهما في ظل كلامك الصحيح الذي أتبنى 90% منه
    شكرا

  3. فرق شاسع ، شاسع …… شاااااااسسسع بيننا و بينهم ، رغم ان الفرق بيننا و بينهم نقطة !!

  4. شكراً اخي معاذ
    تمتعت جدا بقرائة المقال, ومن الابداع في السرد ولمسة الظرافه.
    انا كمان عايشت الاتخابات الطلابيه وكثير مما مذكور هنا يحصل, ولا ننسى ان الحياة الجامعيه تكون نسخه مصغره عن الواقع الحياتي الذي نعيش به. فكل ما هو حاصل في خارج الحرم الجامعي يتجلى به. ونحن كطلاب نطرح ما تربينا عليه في بيوتنا ومؤسساتنا.

    بالتوفيق

    • حياك الله اخي غازي.. سعيد انها نالت رضاك.. صدقت في كل ما قلت.. التربية البيتية وأيضا التربية الحزبية تنعكس كلها في ذاك اليوم.. ليتنا نتغير بس

  5. ههلانا لم اشهد أجواء انتخابات مجالسنا الطلابية في الداخل ، ولكني لطالما سمعت عن الحرب التي تقوم بين الاحزاب الطلابية نتيجة لعدم نزاهة ومصداقية عملية الانتخاب ، وكذلك عدم احترام الرأي الآخر. ولكني ، كوني ايضا طالبا في جامعة كيب تاون، استطيع ان أؤكد ان نظام الجامعة يجسد الكثير من الأمثلة والدروس ( وليس بالضرورة كل شيء! )….. شعارهم ليس بالضرورة تقبل الاخر ولكنه احترام الاخر … وان كانت مبادئ كل من الاثنين تعني مسافة ما بين المشرق المغرب … الاحزاب التي تفوز دائماً هي ذاتها التي تقدم اكبر مقدار من العطاء والتجاوب مع احتياجات الطلاب… لا شك ان اقرأ جسدت ولا زالت تجسد مثل هذه الانجازات … ولكن يبقى السؤال : لماذا في مجتمعنا ؟!
    في جامعة كيب تاون قد تكون توجهات الاحزاب نيوليبرالية ( قمة “التحرر” ) او احزاب ذات طابع ديني وعرقي. ولكن المثير للاهتمام والقاسم والمشترك بين الاحزاب هو التفرغ لأمور الطلاب وعدم السماح لسياسة حزب معين بالمس بحقوق الطلاب غير المواليين للحزب . وقد كان هذه جليا في توجه اقرأ اذ انها، بعكس الاحزاب المنافسة التي مثلت وراعت حصريا احتياجات الطلاب الذين صوتوا لصالحهم ، قامت( اقرأ )بمعاملة الطالب العربي والفلسطيني والمسلم ( وحتى المسيحي) بصورة تجسد الرؤية المستقبلية السليمة لدى اقرأ لحرصهم على مبدأ الوحدة والتآخي بين الطلاب، وذلك لمدى فهمهم وتقديرهم لضرورة الالتفات الى أهدافنا المشتركة ، لأننا بمختلف توجهاتها ، بتنا ضحية لعنصرية “مقوننة” ان صح التعبير. ولذلك من الضروري ان يكون هنالك قواسم مشتركة ، لانها في النهاية ستصب في مصلحة الطلاب.
    المشكلة في جامعاتنا في الداخل تكمن بالعلاقة بين الاحزاب نتيجة لتعصبية وانحياز بعض الاحزاب لأتباعها. مشاريع اقرأ التي تستقطب شتى طلاب الوسط العربي هي خير دليل على احترام الاخر ورسالة ودرس لباقي الاحزاب.

     

    • بارك الله بك أبا السامي.. ان شاء الله تنهي دراستك بتفوق وتعود لتكون جنديا بل قائدا في معارك اقرأ الانتخابية :) ..

  6. السلام عليكم ~
    استمتعت جداً أثناء قراءة المقال .. تشوّقت للتعليم هناك :)
    ولديّ فضول كبير لمعرفة من الفائز في الانتخابات !
    أمّا عن الشاب الذي سألته ماذا سيرسم وأجاب student's heartbeat !
    أيضاً أثار فضولي فبدأت بالبحث عن ذلك ووجدت بأنه موقع مخصص لجامعة كيب تاون : http://www.studentheartbeat.com
    صفحتهم على الفيسبوك : http://www.facebook.com/Studentheartbeat?sk=info
    مع ذلك لم أفهم المقصود ! ^^

  7. كالعاده يا معاذ… ابدعت احسنت واجملت!

  8. سامي عبد الحميد

    أجواء احتفالية مثل انتخابات السلطات المحلية عندنا وانتخابات الكنيست بس الفرق الوحيد ان المرشح الفائز عندنا يحتفل بالمستشفى

  9. بارك الله فيك أخ معاذ مقال رائع جداً…منذ ان بدأت اقرأ بالمقال وانا ابتسم فعلاً اجواء تشعرك بالراحه…فرق شاسع بيننا وبينهم …مع اننا بامكاننا ان نكون افضل منهم

ما رأيك بما قلتُه؟ أسعدني برأيك !!