رقبة عبد المعطي – قصّة قصيرة جداً

دخل البيت مغاضباً كالعادة، رمى حذاء العمل في أول الردهة ورفس الباب برجله لكنه ارتدّ ولم ينغلق فهوى بقبضته عليه بغيظ وحنق، ولم يكترث للألم الشديد الذي سرى في كل خليّة في كل شبكة من شبكات أعصاب ذراعه اليمنى، المهم أنه انتصر على الباب. إلى المطبخ مباشرة، وقبل السلام والكلام ، بل قبل أن يبادلها الابتسامة الخافتة التي استقبلته بها، خاطبها بلهجة قائد عسكري يخاطب جندياً وضيعاً في كتيبته المهزومة: “شو طابخة؟”
– رقا………
– أفففففف.
لم يدعها تكمل الكلمة، قطّب جبينه واستدار مغادرا المطبخ وقد انطلق من فمه سيلٌ من الشتائم على حظّه ووقته وعيشته، وعلى أمّه، وعلى الرّقاب. لا يحب الرقاب. قيمتها الغذائية لا تساوي معشار عناء أكلها وطحنها وهضمها. كل يوم رقاب؟ ولم ليس صدر، جناحين، كعبين، أفخاذ؟ بل إنه كان سيرضى بـ …… أو أي جزء من الدجاجة.. أي شيء إلا الرقاب التي ملّ منها وكأن كل دجاجة خلقت وقد كتب على رقبتها “عبد المعطي”، خصيصا له.
دخل غرفته واستلقى على سريره المهترئ ورفع رجليه في الهواء كتيسٍ يصطاف على شاطئ بحر، وأغمض عينيه ونام نومة حمار مدلل.
بعد برهةٍ دار مقبض باب غرفته، وقبل أن يرى وجه أمّه انفلت لسانه عن سيل جديد من الشتائم مصحوبا بعبارات غير مفهومة:  ” @ & * $ % !  أنام؟ ” . لكن أمه لم تلتفت لذلك، فقد اعتادت عليه. تقدمت من الطاولة الصغيرة في وسط الغرفة وعليها وضعت طبقاً نحاسياً تربّعت على عرشه رقبة سمينة مكتنزة لم ير عبد المعطي مثيلاً لها في حياته.
بحلق فيها مقدار رمشتين، ثم نظر لأمه مقدار نصف رمشة لم تكتمل، ثم انقض على الرقبة ينهش لحمها وقد رفع الطبق بكلتا يديه وقرّبه من فمه لاختصار الطريق.
ارتسمت ابتسامة واهنة على وجه أمّه العجوز، واستدارت وهي تنظر إليه وعادت إلى مخدعها. وهناك في المطبخ وضعت طبقاً صغيراً فوق طاولة أصغر، وتناولت بيديها النحيلتين رقبة أخرى، وبصعوبة راحت تلوكها بما تبقّى لها من أسنان، ببطءٍ وتؤدة، بسعادة ورضا، وهي تحدث نفسها: “ليست سيئة، لا أعرف لماذا لا يحب عبد المعطي رقاب الدجاج”.
لكن مخيّلتها كانت لا زالت مشغولة بمنظر رقبة عبد المعطي التي انشغلت بطبخها من أجله منذ الصباح ، رقبة خروف فاخرة محشوة بالأرز واللوز والصنوبر.

___

كتبها معاذ خطيب (الراصد) ، ويسعدني التواصل معك فيسبوكياً إن احببت، بضغطك هذا الزر:

  • تابع الراصد على فيسبوك
  • وشقيقتها الراصد الاعلامي
  • وأخيراً الراصد السينمائي

2 تعليقات

  1. أكثر من رائعة
    دمت مبدعا

  2. في مافهمته من قصته هوايثار الام لما تطلبه نفسها من اجل اسعاد ابنها ,ليس لي راي في طرقة كتابتك ولا حتى اختيار كلماتك ولا حتى الاسلوب فلست خبيرة كفاية ,لكن من الناحية الجمالية حقا اسرتني ,روعة سيدي ,لك من خالص التشكرات لما اتحفتني به انا شخصيا

ما رأيك بما قلتُه؟ أسعدني برأيك !!