لماذا علينا معارضة الحركات العلمانية والليبرالية؟

لماذا من واجبنا مناهضة ومحاربة الحركات الليبرالية والعلمانية، محاربة فكرية طبعا، بالحجة والبرهان والدليل العلمي؟
لأنه في النهاية، مشروعها هو هدم المنظومة القيمية والأخلاقية والتشكيك في الأديان وتقويضها. كيف؟ هذه المقالة القصيرة تبيّن الأمر.
فكّروا بكلامي أدناه بعقلانية لا بعاطفية، وناقشوني، إن احببتم، بصورة علمية.liberalism
 الليبرالية تتناقض جوهريا مع الإسلام، وهذا واضح. ففي الإسلام هناك ضوابط تحكم السلوك المجتمعي. هناك أمور محرمة وهناك أمور مشروعة. أما الليبرالية فالإيمان بها وتبنّيها يعني واقعياً الحرية المطلقة للفرد ، لا مكان للمعتقدات ولا احترام لها، وهذا هو ما يحدث في الواقع حقاً. فالإسلام مثلا يأمر المرأة والرجل بالاحتشام، أما الليبرالية فتضمن للمرأة أو الرجل لبس ما شاءا ما داما مرتاحين.
ونتيجة لهذا التناقض، تسعى الحركات الليبرالية لتقويض سلطة الدين في المجتمعات التي تنشط بها، وبصورة تدريجية، فما دام المجتمع متديناً، لن يتقبل العلمانية والليبرالية كما تأمل، ولذلك تمهّد الطريق لقبول المجتمع لها، من خلال تقويض سلطة الدين وإلغاء تأثيره على الناس. وفي البداية لا تكون محاربة الدين صريحة إنما مبطّنة.
فمثلا، الحركات الليبرالية في الداخل الفلسطيني، المتمثلة بالأحزاب: التجمع الوطني الديمقراطي (قومي-ليبرالي)، والجبهة الشيوعية، و أبناء البلد (قومي-ليبرالي)، لا تقول اليوم إنها ضد الأديان بل العكس تزعم انها ليست ضد الدين بل ضد التطرّف فيه. لكن الحقيقة أن هذه الأحزاب تنادي اليوم ب:
1- محاربة تعدد الزوجات، وهي قيمة دينية خالصة.

2- تشريع الزنا والعلاقات المحرمة تحت شعار “جسدك ملك لك”، وذلك مخالف للتعاليم الدينية.

3- تنادي بأن يتم إبرام عقود الزواج وما يرتبط به في إطار محاكم مدنية لا محاكم شرعية، وهذا يعني إلغاء الأحكام الدينية المتعلقة بالزواج والطلاق وما يترتب عليهما.

4- تقوم بدعم فعاليات ونشاطات تعتبر الشذوذ الجنسي “مثليّة” وأمر عادي، بل أن دخول المراهقة في علاقة جنسية أمر طبيعي جدا ما دامت “ترى انها ناضجة وتعرف مصلحتها وجسدها”، وهذا في اطار حلقات “تثقيفية” حول “الجنسانية” يتم تمريرها في المدارس العربية. وهذا طبعا مخالف جوهريا لتعاليم الاديان وعلى رأسها الإسلام.

5- أما التالي فسيكون المطالبة بحق الفتاة في الإجهاض متى شاءت (بما أن لها الحق في الزنا، وهو ما قد يؤدي لحمل “غير مرغوب”، فيجب أن تملك حق الإجهاض أيضا، كي لا تلد طفلاً سيعاني من “رجعية المجتمع المتخلّف في تعامله مع أبناء الزنا”). وهذا ما حصل فعلا في الدول الغربية التي بات فيها الزنا متاح، والإجهاض متاح، والشذوذ الجنسي متاح، وتفكك العائلات لأبسط الأسباب وأتفهها، الناس غارقة في المادية وكرامة الإنسان في الحضيض.

6- وأما المرحلة التالية فستكون التشكيك في الدين نفسه، وفي الأوامر الإلهية، بل وسيصل الأمر للتشكيك في النص المقدّس ، وإعطاء تفاسير غريبة عجيبة يقومون من خلالها بلّي عنق النص الواضح ويفسروه بصورة ينتج من خلالها، مثلاً، أن آية تحريم اللواط لم يكن القصد بها الشذوذ إنما السّرقة!! وإلا كيف سيقنعون الرجل المؤمن أو المرأة المؤمنة أن حكم الزنا الذي قرأه في القرآن مشكوك فيه؟ من خلال التشكيك في النص نفسه وإلغاء صفة المعصومية عن النص (1)، والزعم أن النص يحتمل قراءات أخرى مع أنها تخالف جوهرياً إجماع العلماء والمفسرين.

هذه ليست مجرد تنظيرات، هذا هو ما يحدث اليوم في الولايات المتحدة مثلا، والتي فيها أدى تعاظم قوى الليبراليين إلى نشوء شيء في غاية التناقض إسمه “كنائس ليبرالية”، إذ أن الكنائس باتت عاجزة عن مجابهة الليبراليين المسيطرين على الإعلام، وباتت تخسر الأعضاء “المؤمنين”، ولأن الكنائس قائمة على العضويات (members of church) حيث يقوم الأعضاء بتمويل الكنيسة ونشاطاتها وتغطية نفقاتها، فاضطرت الكنائس للتماشي مع المتغيرات من أجل البقاء ولتجنّب الإفلاس. ولذلك فإنك اليوم ستجد كنائس باتت تتبنى فكرة أن الإنجيل غير معصوم (inerrant)، بل وهناك كنائس تبارك الزواج من شواذ، أي زواج شخصين من نفس الجنس (gay-marriage)، وتعقد لهم عقدا شرعياً (2) !!!
وهذا يقودنا للسؤال: إن كان الإنجيل غير معصوم فكيف سنؤمن به بصفته كلمة الله المنزلة وفيه أحكام الحياة بكل جوانبها؟ إن كان النص قد يكون مخطئاً ، كيف سنؤمن بنص يحتمل الخطأ، وكيف يمكن أن يكون الله قد أخطأ، وكيف نؤمن بإله يُخطئ ؟
هذا ما يحصل في الغرب، وسيحصل عندنا أيضا عاجلاً أم آجلاً، وقد بدأت اولى بوادره تظهر من خلال محاربة القيم الإسلامية التي ذكرناها أعلاه، والتالي سيكون التشكيك في القرآن الكريم وفي نصه، وتقديم تفسيرات مستحدثة ، مضلّلة ومكذوبة هدفها حرف الناس عن الفهم الصحيح للإسلام.

النتيجة: أجندة الأحزاب العلمانية والليبرالية هي تقويض الأديان والقضاء عليها بالتدريج وبوسائل خبيثة، وقد تكون تقوم بذلك دون علم وتخطيط ممنهج، لكن هذا هو ما سيحصل بالضبط.
وهذا يحتّم على كل من يحرص على نظافة المجتمع وصلاحه ونقاوته، أن يقف أمام هذا التغريب واللبرلة التي باتت كلمة مرادفة للإباحية والفساد الأخلاقي والقيمي الذي يحطّ من قيمة الفرد ويجعله مجرد كائن تحكمه غريزته وشهواته ولأجل إشباعها يضطر هو أيضا ليكون جزءاً من مشروع لَبرَلة المجتمع وتغريبه ومحو القيم الدينية والأخلاقية فيه.

كتبها معاذ خطيب (الراصد) ، ويسعدني التواصل معك فيسبوكياً إن احببت، بضغطك هذا الزر:

 

  • تابع الراصد على فيسبوك
  • وشقيقتها الراصد الاعلامي
  • وأخيراً الراصد السينمائي

 

____
هوامش: (1) انظر هنا عن النقاش المسيحي حول معصومية النص المقدس (biblical inerrancy)  – الرابط
          (2) انظر في هذه الصفحة وبها تبيين لجماعات دينية وكنائس مسيحية تبارك الزواج الشاذ، من اشخاص من نفس الجنس. هنا 

6 تعليقات

  1. ما الفرق بين اللبرالية و العلمانية ؟
    لا أظن أنهما يحملان المعنى ذاته حقيقة ً … لكنني أودّ التعلّم منك – بما أنك صاحب خبرة – كي لا يتم تضليلي ..

  2. why do you have to reiterate these widely known and given facts about Liberalism and its perils?
    do not be offended when I say that repetition has no added value whatsoever.
    , most normal people find the above mentioned facts indisputable!!! I am just trying to understand what makes you repeat the same ideas over and over again? emphasizing ideas and principles is pivotal, but novelty is even more so!!. anyways, thanks for the effort and May Allah reward you

    • Suha, you’d be amazed when you find that many, and I mean MANY, people do not even know what secularism is, or whether and how it contradicts Islam. You’d be more amazed when you know that this perilous ideology is spreading in an alarming manner, in our society. I didn’t discuss it from this point of view before, and as I said , I always like to keep record of all my thoughts for later use, that’s why I blog about it. Many people would find this useful, believe me :)

  3. I see, Thank you

  4. الليبرالية لا تنادي بالحرية مطلقة لان الحرية المطلقة تشمل الاساءة للآخرين وهذا ما لا تقوله الليبرالية التي تؤمن بحرية الآخر ايضا. فالليبرالية هي انك حر في حياتك الشخصية وفي آرائك مادمتَ لا ترتكب جرائم وجنح ضد الآخرين وهي علاقة ينظّمها القانون. على كل حال لا ينفعكم التخفي خلف المصطلحات فان الليبرالية والعلمانية هي مصطلحات يمكن مناقتشتها بشكل نظري. اما على ارض الواقع، لا تستطيع ان تفرض على احد ان يؤمن بما تؤمن به. لو اخذنا مثلا قضية الحجاب، هل تستطيع انت او اي مسلم ان يفرض الحجاب على اي بنت؟ طبعا لا. اذاً انت على ارض الواقع تمارس الليبرالية وانت لا تشعر اذ انك لا تستطيع ان تفرض الحجاب على اي فتاة. ولذلك محاربتك لليبرالية هي محاربة طواحين الهواء وفتح بابٍ مفتوح. ثم كل ادعائك يقوم على “عدم التشكيك في الدين” وهي حجة واهية وقشة اخيرة تتمسك بها حتى لا تغرق، وللاسف اذا بقيت هكذا ستغرق انت والمركب. التشكيك في الاديان واجب وضرورة على كل انسان يبحث عن الحقيقة ولا يقبل بالمسلّمات. ثم نحن نعيش في مجتمع واعٍ ومنفتح ويستطيع كل انسان ان يمارس حياته الطبيعية العملية بدون اي حاجة للدين. الدين لا يُنتج الاخلاق ولا علاقة له بالاخلاق ولا يمنع عن فعل الجرائم. ولو كان الايمان والدين لوحده يردع عن ارتكاب الجريمة لما اضطر محمد لاقامة حدود مثل حد السرقة وحد القتل. اقامة الحدود هي عملية سن قوانين ولكن بطريقة بدائية ملائمة لذلك الزمن، واليوم لدينا منظومة قانونية متقدمة. وفي كل الاحوال نحن نعيش في اسرائيل ونتمتع بالحرية مقارنة بدول مثل السعودية والسودان وافغانستان والسودان والصومال، ولذلك يمكنك ان تصرخ حتى يذهب صوتك فان حرية الانسان فوق كل الاديان والمعتقدات.

ما رأيك بما قلتُه؟ أسعدني برأيك !!