(من باب نقد الذات)
قد يكون الفضول صفة إيجابية بصورة عامة، فهو يوسع أفق الانسان الفضولي ويحيطه علما بأشياء مهمة قد تكون غائبة عنه.. عوضا عن أنه قد يُشعر الشخص المفضول (الذي تصب عليه فضولك وأسئلتك التي لا تنتهي) بأنك شخص ذكي وحذق.. مع انك لست بالضرورة كذلك.
بكل الأحوال، لاحظت أنني انسان فضولي.. ربما أكثر من اللازم. في العادة أسأل أسئلة منطقية ومبررة فعلا.. لكني لاحظت أنني أيضا أسأل في بعض الاحيان اسئلة واضحة الاجابة.. من المؤسف أن سامعها سيظنني الشخص الأبله الذي لا ينبئ شكله بذلك.
كان واضحا –مثلا- أن الطبيب مختص الركبة الذي زرته آخر مرة قد ضاق ذرعا بأسئلتي التي انهمرت على رأسه كالمطرقة على المسمار.. لقد حاول التخلص من أسئلتي بشتى الطرق الدبلوماسية وغير الدبلوماسية مثل محاولة إنهاء المحادثة بأسرع ما يمكن بواسطة حركات رأس مُنكِرة وتأففات بالجملة وزفير نابع من نفاد الصبر.
لكن، ومن باب تشجيع الذات، أنا اجيد التجبير أيضا. بمعنى أنني بمجرد أن اشعر ان الانسان المفضول قد زهقني وغلت الدماء في عروقه قهرا من اسئلتي التي أسبغتها عليه كما يسبغ عباد الله الصالحون الماء على الأيادي والوجوه، فإنني لا أتوانى في أن اعتذر واتلطف في القول والفعل وطلب المعذرة والصفح عما سببته للطبيب (المفضول) من ضيق خلق ومقت وما ارغمته علىه من التوجه لله بالدعاء والتضرع الخاشع كي “يشفي الله هذا المريض كثير الحكي ولا أرى وجهه بعد اليوم أبدا”.
أحيانا أزور بيت والديّ (أحياني تعني ثمانية ايام في الاسبوع)، وحين التقي بأخي الصغير أعجب من عدد الأسئلة التي يمكن لهذا الصبي الصغير أن يبرمجها عقله خلال ثانية واحدة، وأتمنى أن يجد ما يلهو به عني. لكني أتذكر أيضا أنني كنت في صغري مثله تماما.. وأدرك حينها كم كان والدي بارك الله فيه صبورا علي.. أكاد أجزم أنه قد أجرى عملية جراحية لتطويل الروح.. وإلا ما كان ليقدر على تطويل روحه لتلك الدرجة دون أن يتطلب الأمر نظرةً نارية مع رفع الحاجب الأيمن… أو صفعة على… الرقبة.
اعتقد إذاً انني فضولي لكني أيضا املك تقنية ال auto bug correction مما يجعل فضوليتي في النهاية أمرا إيجابيا بالنسبة لي… اللهم باستثناء حالة سائق الأجرة شركسي الأصل الذي شعرت بعد مضي ساعة من ركوبي معه أنه كان يتمنى أن ينزل نيزك ضخم من السماء على سيارته وبقدرة قادر يصيب فقط الشخص الجالس على يمينه.
ضحية فضول زائد