الأغاني القديمة مثل “دايمًا دموع” – دموع على ناصية القيم التي ماتت!

لجيل الثمانينات، والتسعينات، لجيل الانتفاضة الثانية وجيل النتفليكس. 
لكل الأشخاص الذين سألوني على الخاص لأنهم استحوا من سؤالي على العام:
هذه هي اغنية “دايمًا دموع” التي تكلمت عنها في منشوري السابق. لكن قبل الاغنية، لا بد من هذه المقدمة الطويلة جدا: 
في اواخر الثمانينات حدثت ثورة الاقمار الصناعية وانفتحت بيوتنا ولأول مرة على الإعلام التجاري العربي بعد ان كانت القنوات الوحيدة المتوفرة هي اسرائيل والأردن وسوريا، القنوات الرسمية طبعا، تاعت الملك حسين وتاعت العرص بشار الأسد. ثم جاء الستلايت ومعه قنوات art بكافة فروعها، ومنها طبعا art الموسيقى. 
من يومها صارت جارتنا عمتي هنا “أم ذياب” تُسميه “مِفسديون” بدل “تلفزيون” لكثرة ما فيه من فساد (ولما أقول “فساد”.. أكيد مش شو ببالكم. لأنه يومها، كانت مجرد التلميحات بأن قُبلة على وشك الحدوث كافية لأن نغطي وجوهنا ونختبئ تحت الكنبة كي لا نرى “قلة الأدب” تلك… اليوم كما تعلمون نشاهد مع أبنائنا أفلامًا ومسلسلات تحتوي مشاهد شبه جنسية بحجة ان الدنيا تغيرت!!! ).
ما علينا. المهم يا سادة، أغنية “دايمًا دموع” لحمادة هلال كانت في أواخر التسعينات هي ال hit العربي لكل صاحب قلب مكسور محتاج لأغاني الحزن والميلانكوليا (ديكاؤون) ليجد بعض التعزية والمواساة. فبعد ان كان الشخص المكسور عاطفيا في بلادنا يلجأ للأغاني العبرية مثل أغاني عوفر ليڤي (החזירי לי את בני נשמתי) وليئات بَناي (אתה זלזלת), وآڤي بيتار وموشي كوهين (נשארתי לבד) وغيرهم، صار قادرا على أن يُدَكـئـِن مع انتماء وطني عروبي، يعني على اغاني عربية مثل أغاني حمادة هلال وايهاب توفيق وهاني شاكر الذي بلغ الحزن في أغانيه حدًا قد يدفعك لأن تقوم في منتصف الليل وتسير في الشارع مثل المخبول تبحث عن أي إنسان أو حتى قطّة أو شجرة تشكي لها همك وتبكي انت ويّاها .
لتقريب الصورة تخيلوا مثلا أحد ايام السبت الساعة الواحدة ظهرا، مشهد شاب يسوق سيارته ال BMW E30 قرب مدخل المدرسة الثانوية ومن سماعات ال Kenwood يصدح صوت عمرو دياب واغنيته “توبة” او حمادة هلال “دموع” او هاني شاكر (أمير الحزن العربي) وأغانيه “جرحي أنا” ، “لو بتحب حقيقي صحيح” و “يا ريتني” وغيرها من اغاني الحزن والنواح واللطميات العاطفية التي كان يتمنى صديقنا الشاب ان يصدف مرور حبيبته طالبة الثانوية لتسمعها وتحس بعميق “جرحه” وغزارة “دموعه” و “توبته” عن التقصير معها لعلها تراجع نفسها وتعود له.
طبعا لا شك أن قرّائي الأعزاء من جيل النتفليكس يتساءلون الآن سؤالًا أجيب عنه بما يلي: مكنش في تلفونات ولا وتساب ولا فيسبوك ولا ايميل او مسنجر او حتى انترنت ممكن ان يبعث لها الشاب من خلالها قلوب حبّه أو ايموجي انكساره أو تسجيلات بكائه ونواحه ورجائه أن تسامحه وتعود إليه. وإن تجرأ أحدهم على الاتصال على الهاتف الأرضي في منزل الصبية لَما مرت سويعات حتى تصل التهديدات بيته تتوعده بسلخ جلده وتكسير عظمه إن هو حاول معاكسة ابنتهم مرة أخرى.
صحيح أنه في تلك الفترة كان هذا اللون الغنائي مزدهرًا جدًا، لكنّي لم أسمع أبدًا عن ارتفاع نسب الانتحار بسبب الأغاني الكئيبة، كما كانت معظم الأغاني “عفيفة” تخلو من أي كلام فاحش أو تلميحات جنسية أو حتى ملابس قصيرة وكانت “أوقح” أغنية هي أغنية “أبو يوسف” “زقورت” لمجرد أن فيها فتاة ترقص وإن كانت بملابس محتشمة جدا ! 
ثم جاءت روتانا و “ميلودي” و “غنوة”… ………………
مشاهد خلاعة وعهر ودعارة نراها في “الفن” العربي هذه الأيام ، حتى أصبح الكليب الذي لا يتضمن راقصات عربيّات أو اوكرانيات (أرخص) يتمايلن بإغواء كما تتمايل حية الكوبرا أمام الحاوي، هو كليب محكوم عليه بالفشل قبل صدوره…
وهذه يا سادة ويا سيدات قصة “دايما دموع”. ولا تظنوا أنني خبير بأغاني الحزن أو مدمن على الأغاني العربية. لكن ذاكرتي قوية وما ذكرته أعلاه من أسماء هي التي علقت بذهني من تلك الحقبة. وليت أغاني الحزن تلك تعود وتزدهر، على الأقل ستكون أفضل من التجارة بأجساد النساء على الشاشات هذه الايام!
ومنشوري إن أسأتم الفهم ليس عن الاغنية او المغنين او عن موسيقى الثمانينات العبرية او دعاية لجانر الميلانكوليا او حنين لجيل ما قبل الانترنت.
منشوري الذي احتوى أفكارًا تقافزت في ذهني دون استئذان هو عن أخلاق وقيَم ذهبت…ولن تعود !

المقالة نشرت أصلًا على صفحتي على فيسبوك

الاغاني القديمة

ما رأيك بما قلتُه؟ أسعدني برأيك !!