فلم “فندق مومباي Hotel Mumbai” – السينما في خدمة الكراهية


منذ اللحظات الأولى للفلم، حين تظهر مجموعة من الشّباب المسلمين العابسين الذين يرددون الأدعية الإسلامية ويسمعون رئيسهم يحدثهم عن الله والجنّة، ويتجهزون لارتكاب مجزرة جماعية، ستعتقد أن هدف الفلم تجسيد الإرهاب الإسلامي وإظهار مدى دمويّة المسلمين وكيف أنهم مصّاصو دماء يعيشون فقط لقتل المدنيين والأبرياء.

ولن يخيّب الفلم ظنونك!

فلم فندق مومباي 2018 – السينما في خدمة الكراهية والإسلاموفوبيا

يدّعي الفلم أنه يجسّد هجمات 2008 التي قامت بها جماعة “إرهابية” باكستانية ضد أهداف مدنيّة في مدينة مومباي الهندية. ومع إدانتنا لكل العمليات الإرهابية التي تستهدف المدنيين سواء كان فاعلها مسلمًا أو هندوسيًا أو مسيحيًا أو يهوديًا، كان هذا الفلم سيكون مقبولًا إن كان الهدف هو توثيق التاريخ والحقيقة عبر عمل فنّي متوازن ومنصف ومسؤول وحريص أن لا يكون له أثرٌ سلبي… ولكن…

1- هل من الأخلاقي أن يقوم مخرجان أمريكي وأسترالي باستغلال مأساة حدثت في دولة ليست دولتهم، لشعب ليس شعبهم، ويحولونها لفلم أكشن تجاري ربحي، بل ويتجرأون على التلاعب في الأحداث الحقيقية وإدخال أحداث خيالية، وفوق ذلك يدخلون لقطات “كوميدية” في عمق الأحداث التراجيدية؟

2- لماذا جاء الفلم الآن بالذات، فترة قصيرة بعد مذبحة مساجد نيوزلندا التي رأينا بالبث المباشر كيف قام الكلب الأسترالي بارتكاب مجزرة راح ضحيتها أكثر من 100 مسلم بين قتيلٍ وجريح؟ هل نحن بحاجة لرؤية مزيد من مشاهد القتل الجماعي وهذه المرة في قالب “ترفيهي”، أم ليعيد تأكيد الكذبة أن “المسلمين هم أصل الإرهاب” ويقضي على التعاطف الذي ناله المسلمون مع قضاياهم؟

3- ألم تكن مجزرة كرايست-تشيرتش في نيوزلندا، والمجازر المستمرّة يوميًا ضد مسلمي الروهينجا في سريلانكا، وغيرها من مئات الهجمات الإرهابية التي استهدفت المسلمين (قائمة في الملحق) تستحق أن يُصنع فلم يوثّقها؟ بل أراهن أن الأحداث كانت ستكون مليئة بمقاطع الأكشن أكثر بكثير من فلم “فندق مومباي”!

4- ولماذا لم يصنع فلم عن العمليات الإرهابية التي ارتكبها أشخاص بيض ضد الهنود واليهود والمهاجرين من أمريكا الجنوبية، مثل مجزرة أوك كريك بولاية ويسكونسن والّتي فيها قتل مسلّح أمريكي عددًا من الهنود السّيخ في الولايات المتحدة، أو هجوم أوفرلاند بارك في 2014 الذي قتل فيه أمريكي أبيض عددًا من اليهود في هجوم على “المركز اليهودي” أو الهجوم على كنيسة تشارلستون التاريخية في ولاية كارولاينا حين قتل أمريكي أبيض 10 أشخاص من المسيحيين السود خلال صلاتهم، لمجرد أنهم من السود!!! وهل سيصنع فلم عن ما كشف مؤخرًا من أرشيف قوات الاحتلال الصهيونية التي دخلت قرية الصفصاف الفلسطينية قضاء صفد في في 1948، قتلوا 70- رجلًا دفعة واحدة بعد ان اغتصبوا 4 فتيات بينهن طفلة عمرها 14 سنة؟؟؟؟ أم أن كل تلك وغيرها (في الملحق) لم تكن أعمالًا “إرهابية” ؟؟؟

5- في مثل هذه الأفلام التي تشوّه المسلمين، عادة ما يظهر أشخاص مسلمون معتدلون طيّبون إلى جانب المسلمين “الإرهابيين” لكي يقدر منتجو الفلم على التظاهر بأنهم منصفون وليس هدفهم تشويه الإسلام. ليس فقط أنه حتّى هذا لم يحدث في هذا الفلم، بل إن الشخص الذي يلعب الدور المضاد (النادل Arjun) والذي يضحّي بنفسه من أجل إنقاذ الناس، يتم وبصورة صارخة إبرازه على انه شخص من الهنود السّيخ، بل ويتم التشديد على إنسانيته وقيم الكرامة والاحترام التي يحملها. يعني ليس فقط أن الفلم يصوّر المسلمين كإرهابيين، وفوق ذلك يصوّر غيرهم على أنهم ملائكة الرحمة.

6- وطبعًا لن يذكر منتجو الفلم العنصريون أي شيء عن خلفية هجوم 2008 في مومبا، وهي ما تتعرض له الأقلية المسلمة في الهند منذ عقود طويلة من اعتداءات وقتل وتهجير وحرق للمساجد والبيوت على أيدي “ملائكة الرحمة” من الهندوس والسّيخ، ليس آخرها قبل أقل من أسبوعين، حين انتشر فيديو يُظهر قيام مجموعة من السّيخ بتقييد شاب مسلم اسمه تَبريز أنصاري، وإجباره على قول “Jai Shri Ram” أي “الإله رام هو الأكبر”. في الفيديو ظهر الشاب الذي تزوّج قبل شهرين فقط وهو يبكي ويتوسّل، قبل أن يقوم الجناة بضربه بالعصي والآلات الحادة حتّى لفظ أنفاسه الأخيرة.

7- ليس غريبًا أن يُنتج مثل هذا الفلم المخرج الأسترالي Anthony Maras والذي يبدو أنه لا يتقن سوى صناعة الأفلام التشويهية للإسلام، فأفلامه السابقة Azadi و The Palace كلها تصبّ في نفس الدائرة من تسليط الضوء على “الإرهاب الإسلامي” و “دموية المسلمين”. أما مجزرة مساجد نيوزلندا التي ارتكبها استرالي مثله، فهي حتمًا ليست عملات إرهابية !

8- ما يؤكد النية الحقيقية لصانعي الفلم وبأن هدفهم الوحيد والواضح هو تشويه المسلمين، عدّة لقطات. في أحد المقاطع يبصق احد “الإرهابيين” طعامًا لأنه ظنّ أن فيه لحم خنزير، وبعد لحظات يقوم بقتل أشخاص مدنيين بدم بارد. في لقطة أخرى يقول “المدير” لأحد الشباب وهو “عمران” أنه لا بأس في إدخال يده داخل الملابس الداخلية لامرأة قتلها قبل قليل ليبحث عن جواز سفرها. ويقول له: “لا بأس فهي كافرة” (هل حقًا يقول الإسلام ذلك!؟) وفي النهاية يرفض عمران. وكأن المسلم فوق كونه إرهابيًا، إلا أنه أيضًا غبي لدرجة أنه يستمرئ قتل الأبرياء وفي نفس الوقت لا يقبل أن يلمس جسد امرأة “كافرة”. كل هذه لقطات مفبركة لم تحدث أبدًا في الواقع أصلًا، لا تهدف سوى لمزيد من التشويه والتحريض على المسلمين وتصويرهم على أنهم كائنات غبية لا همّ لها سوى القتل والتفجير!. وليس غريبًا أن كل الممثلين الذين أدوا أدوار الشباب “المسلمين” لم يكونوا مسلمين أصلًا !!!

9- ما يثير اشمئزازك في الموضوع هو أن من يصنعون هذه الأفلام التي تدعي الكلام عن “إرهاب المسلمين” هم من الأوروبيين الذين لم يزدهروا سوى بعد ارتكاب مجازر وعمليات إبادة مرعبة ضد السكان الأصليين للبلاد التي احتلوها. الاسترالي الذي أنتج الفلم، حين وصل أجداده الأصليين مهاجرين من أوروبا إلى استراليا في 1788، كان عدد سكان أستراليا الأصليين 250,000 ، وبعد عمليات الذبح والإبادة أصبح عددهم 60,000 فقط!! ذات الأمر فعله البريطانيون ضد الهنود الحمر في أمريكا، وفعله الأسبانيون ضد سكان أمريكا الجنوبية، وفي كل مكان غزوه الأوروبيون والأمريكان ثم “استعمروه” بل احتلوه وأبادوا أهله.
ثم يحدثونك عن الإرهاب الإسلامي !؟

أخيرًا، من يقرأ التاريخ ليفهم الحاضر، سيدرك أن السبب الأول والأساسي في الصدامات العرقية والطائفية في الهند بل وفي كل بلاد العالم، سببها اولئك المحتلون الأوروبيون. الهند كانت حتى 1947 تحت الاحتلال البريطاني. خرج البريطانيون في 1948 بعد أن قسّموا بلاد البنجاب لدول وأقاليم على أساس طائفي (باكستان أغلبية مسلمة والهند أغلبية هندوسية) وفوق ذلك، في كل أقليم أبقت على أقليات دينية لتضمن بقاء الصراع الطائفي والعرقي بين المركبّات وبين الأقاليم بل وبين الدول المتجاورة. ذات الأمر فعلته في بلادنا فلسطين حين غرست الحركة الصهيونية داخل العمق العربي لتحقيق ذات الأهداف.

تخيّلوا… لم يشبعوا ! في الماضي زرعوا بذور الخلاف بين أبناء البلد الواحد، وكلما أوشكت الخلافات على الانتهاء، اليوم يصنع الأوروبيون الأحرار، حماة حقوق الإنسان والعدالة، أفلامًا سينمائية تكلفتها ملايين الدولارات لإعادة إحياء الكراهية والحقد والاعتداءات بين الطوائف المختلفة في بلدان ما وراء البحار. سياسة فرّق تسد، هي سلاحهم للهيمنة في الماضي والحاضر… والمشكلة… أننا لا نتعلم !

كتبها معاذ خطيب
إن وافقتم أفكاري أرجو أن تنشروا المقالة عبر أدوات النشر والتواصل المتوفرة أدناه.

المصادر لمن يود الاستزادة في التعليق الأول.

تعليق واحد

  1. مقالة نقدية للناقد السينمائي الشهير جو مورجينستين:
    https://www.wsj.com/articles/hotel-mumbai-review-suspense-over-substance-11553202828

    مقالة للناقد السينمائي بيداتري تشودري (هندي وغير مسلم!)
    https://thefilmstage.com/reviews/tiff-review-hotel-mumbai-is-a-dangerously-myopic-terrorism-thriller/

    بحث لباحث سويدي يثبت فيها كيف أن سياسة بريطانيا في تقسيم بلاد البنجاب هي السبب في ما تشهده الهند اليوم من صراعات مذهبية:
    http://www.asiaportal.info/ethnic-cleansing-and-genocidal-massacres-65-years-ago-by-ishtiaq-ahmed/

    خبر قتل تبريز أنصاري في صحيفة التايم البريطانية:
    https://time.com/5617161/india-religious-hate-crimes-modi/

    قائمة الأعمال الإرهابية التي استهدفت المسلمين ولم يتم حتّى اعتبارها “إرهابية”!
    https://arabi21.com/story/1166778/

    عن مجزرة قرية الصفصاف الفلسطينية:
    https://www.zochrot.org/ar/village/49364

    قائمة الأعمال الإرهابية التي ارتكبها غير مسلمين ضد غير مسلمين:
    https://www.aljazeera.net/news/politics/2019/3/17/%D9%87%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%88%D9%86-%D8%AA%D8%B7%D8%B1%D9%81-%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D8%A7-%D8%A8%D9%8A%D8%B6-%D9%82%D8%AA%D9%84%D9%89

ما رأيك بما قلتُه؟ أسعدني برأيك !!