اليوم وحين كنت في الجامعة جالساً أمام النافورة الشهيرة استمتع بالجو الجميل والهواء العليل، رأيت شخصين في ريعان الشباب حسنا الهندام وقد امسك كل منهما بحقيبة فاخرة، يقتربان إلى مكان جلوسي بهمة عالية وحماسة بادية، وقد كان احدهما صغير السن أسمر البشرة أفريقي الأصل، وأما الثاني فكان ذا ملامح شرق-آسيوية، من الصين او كوريا او اليابان، كانا كصديقين حميمين، وهو منظر لا تألفه العين في جنوب أفريقيا التي لا زالت التحزبات العرقية تسود نسيجها الاجتماعي.
بادرني الشاب الأسمر وهو في اول العشرينات من عمره بالتحية، ودار بيننا الحوار التالي (بالانجليزية):
سألني بعد التحية مباشرة:
– هل أنت مسيحي؟
عرفت انا هنا انهم مبشّرون مسيحيون
– لا، لست مسيحيا ، انا مسلم.
– آه أنا آسف اعتقدت انك مسيحي.
– لماذا، تفضل، هل انت مبشّر؟
– نعم، نحن مبشرون.
– لكن لماذا لم تشأ ان تدعوني لدينك حين علمت انني مسلم وتفضّل أن تدعو المسيحي علما انك انت مسيحي؟ لأي كنيسة (مذهب مسيحي) تنتمي؟
– بصراحة لأني لمست ان المسلمين متعنّتون جدا ولا يقبلون حتى الاستماع لدعوتي لهم للمسيحية. اما كنيستنا فهي كنيسة جديدة اسمها "كنيسة الرّب" (World Mission Society Church of God).
– وما هي أهم الاختلافات بينكم وبين باقي الكنائس، الكاثوليك، والبروتستانت مثلا؟
وهنا استطرد الاخ الذي نسيت اسمه لصعوبته في شرح الاختلافات. سألته عدة اسألة وعن نظرة هذه الكنيسة إلى بعض القضايا التي اعلم ان ثمّة خلاف مسيحي-مسيحي حولها، مثل اللاهوت، إله واحد ام ثلاثة، يوم القيامة، عيد الكريسماس، سانتا كلاوس، الشجرة، مولد المسيح، الخ.
من الاشياء المهمة التي ذكرها مثلا هي أن كنيستهم تعتبر باقي الكنائس مسيحية شكلاً فقط، لا تطبيقا. قال إنهم يؤمنون أنه لا يكفي فقط أن "تقبل المسيح كمخلّص (Accept Jesus as a savior) لتدخل الجنة، بل يجب أن ينعكس ايمانك بالمسيح باعمالك الصالحة.
تفاجأت ان هذه الكنيسة فيها الكثير من الامور المشتركة مع الاسلام، مثل ايمانهم ان المسيح سيظهر في النهاية في الفترة التي تسبق يوم القيامة ليشارك في المعركة الفاصلة التي فيها يقضي الخير على الشرّ.
ثم أكد لي أن كنيستهم لا تعتبر السيدة مريم البتول والدة المسيح عليه السلام قدّيسة كما يعتبرها معظم المسيحيون، بل امرأة عادية كسائر البشر، وهو ما يتفق مع عقيدتنا كمسلمين طبعا.
الرجل الكوري كان يتكلم انجليزية ضعيفة، وكان بعد كل محاولة له للمشاركة في النقاش يومئ لصديقه الافريقي طالباً منه ان يفسّر لي ما كان يقوله، ولم يخلُ كلامه من السخرية من الكنائس المسيحية الأخرى.
بعد ان تحمّست كثيرا وقلت له ان هذا رائع، لان الكثير من الامور مشتركة بين مذهبكم والعقيدة الاسلامية، قال لي الشاب الأفريقي: انتظر قليلا، وأخرج من حقيبته كتابا ضخما مزدانا بالصور الملونة والخرائط والنصوص، وفتح صفحة في الكتاب أشار لي فيها على صورة شخص كوري بالأبيض والأسود.
إله أعلن عن نفسه في مقالة نشرها في الصحيفة
– هذا هو ..
– من هذا ؟ هل هو رئيس أساقفة الكنيسة؟
– لا ، هذا هو المسيح !
– ماذا تقصد؟
– هذا هو المسيح الإله الذي نؤمن به.
( فغرت فمي وحملقت في الصورة)
– كيف يكون المسيح بصورة شخص كوري ونحن نعلم انه من بني اسرائيل وقد ولد في بيت لحم، وكيف قمتم بتصوير المسيح الذي ولد قبل اكثر من 2000 عام، ولم تكن هناك كاميرات حسب علمي، وكيف مات المسيح – الإله ، وهو بين ظهرانيكم، وأين دفنتموه؟
– لا، هذا هو آن-سانغ-هونغ Ahn Sahng-hong هو المسيح نفسه لكنه في العام 1948 (!) ظهر بصورة بشرية أخرى واخبرنا انه هو المسيح من خلال هذه االمقالة التي نشرها في الصحف آنذاك، وأشار بيده الى مقالة باللغة الكورية.
ثم أضاف قائلا أن هذا هو "الإله الأب God the Father".. وأنه حين مات واراد أتباعه دفنه، لم يجدوه واختفت جثّته (وقد تجاهل الأخ المقالة في ويكيبيديا التي تذكر بالضبط أين يقع قبر "الإله الأب"، لأنه سيكون محرجا له أن يعترف أن الإله مات وتم دفنه!).
قال ايضا ان هذا الإله-البشر تنبأ عدة نبوءات، منها مثلا أن شعب اسرائيل المقدّس سينتهي عقابه الإلهي في 1948 ويفوز بدولة له، ولأنه مقدّس من الرب سينتصر في كل معاركه. "ماذا حدث في حرب الستة أيام"، سألني. قلت له ماذا حدث؟ قال : "انتصرت اسرائيل، بمباركة من الإله". فقلت له، يعني اسرائيل احتلت ارضي وقتلت ابن عمي لأن ذلك بمباركة من الإله؟ قال نعم، وعليك ان لا تنظر للأمر نظرة "مادية".
قلت له طيب، ان كان الإله مات واختفت جثته، كيف تعيشون الآن دون آله؟ فقال، لا طب
عا إلهنا موجود وهو Zahng Gil-Jah.. قلت له هل لديك صورة له أيضا؟ فقال لي "طبعا".. وبمهارة فتح صفحة أخرى انبجست عن صورة امرأة كورية، فقلت له، هل هذه هي الإله؟
– نعم، هذه هي الإلهة الأم (God the Mother).
– وهل اكتشفت هي أيضا انها إلهة بالصدفة وكتبت مقالة في الصحيفة تعلن عن ذلك؟
– لا، انما اختارها الإله الأب قبل موته.
– وماذا كانت قبل ان تكون إلهة ؟ وهل تزوّجها الإله الأب؟
– نعم تزوّجها لكن روحياً فقط. وقد كانت احدى المنتسبات للكنيسة، وهو عرف انها إلهة، واخبرنا بذلك، ومنذ ذلك الحين ونحن نحجّ كل سنة الى كوريا لنلتقي بإلهتنا الأم ونسلّم عليها…
– وهل يمكن ان تلتقطوا الصور مع الإلهة أيضا؟
– نعم، انظر هذه صورتي مع إلهتنا
الإلهة الأم (بالرداء الأبيض) تتقدم مخلوقاتها، أقصد معجبيها.
هنا، وقفت، وأنزلت النظارات عن عيني، وشكرته للمعلومات المفيدة التي أكسبني إياها (جادّاً لا مازحا)، وأثنيت عليه وقلت له أن ما تقوم به يستحق كل تقدير لانه لا شك أنك تملك شجاعة كبيرة جدا حتى تنشر أفكارا كهذه، وقلت له بالعربية "اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمدا رسول الله"… God Bless You يا أخي، والسلام عليكم
تنويه: طبعا ما كتبته اعلاه ليس هو كل ما دار بيننا من نقاش … وقد كنت طيلة الحديث اتعمد ان ابرز له مشاكل منطقية في كلامه ومعتقداته، واذكر له ما نعتقد به كمسلمين واثبت له ان ما نؤمن به كلام فيه منطق، وليس "إله يعلن عن نفسه ويموت وينصب إلهة مكانه" وبذلك دعوته للإسلام، ولو كان بصورة غير مباشرة، وهو ما افضّله.
اقرأ مقالاتي وخواطري الأخرى من جنوب افريقيا (هنا)
مش عارفة اذا أضحك ولا أبكي! :/
حسب رأي يا معاذ بحالة عن هالشكل والاشي صار معي مع مسحيين اوروبيين, ابني صداقة معهم وبطريق الصداقة بعد فنرة افتح الموضوع معهم وادعيهم للاسلام لانو بكل سهولة بقتنعو بدينا اذا كان لسانك قوي وعندك خبرة عن دينك وهذا شي انا متأكد منو انو عندك المعلومات الكافية انك تجذبهم للدين تبعنا :)
بارك الله بك. فكرة جيدة جدا، لولا انني للأسف لا أملك الوقت ل”بناء علاقات” حاليا :))
جميل أخي معاذ.. استمر فنحن متابعون .. !! تستفزّني هذا المقالات كثيرًا .. بوركتم
شكرا لك اختي سلسبيل وشكرا لمرورك الطيب.
مماالاتك دايما في الصميم تحياتي لك يا مبدع
السلام عليكم
اظن بأن طريقة تفكير هؤلاء الناس ممن لم يولدوا مسلمين تختلف عنّا تماماً …أحياناً لديهم " هبل" من نوع خاص … يعني انا أعتقد ببساطة انه يجب ان نشفق لحالهم وليس ان نكرههم او نتجنب الحديث معهم… هم مساكين !!! نحن قد منّ الله علينا بأن خلقنا مسلمين .. الحمد لله .
وبالمناسبة، لديك أخي فرصة ذهبية في ان تدعو للاسلام في بلاد الغربة، أعانك الله على ذلك .
بالتوفيق
لم أستطع منع نفسي من الضحك بصراحة
ولو أن مثل هؤلاء فعلا يستحقون الشفقة
وربما نسأل عنهم يوم القيامة
هل قمنا بواجبنا في تبليغ الرسالة لهم
أسلوبك رائع معاذ وممتع جدا
تحيتي إليك
والله اخي ان لدينا في مصر أهبل من هؤلاء , لدينا من يؤمن بان العدل يأتي من الظالم , ويؤمنون بالقتل و القهر و الاعتقال للحرائر و المؤمنون مادام هذا يأتي على هوى الاعلام الكاذب , أري ان فقراء المعرفه و جهلاء التاريخ واتباع الاعلام المسيحي اليهودي هم اكثر جهلا , لان على الاقل هم ولدو مسلمين ويتحدثو العربيه ويستطيعو ان يصلو الي الحقيقه ولو فقط عندهم بعض العقل وبعض الوازع وبعض الضمير ,,فانا اري ان من تحدثت معهم على الاقل هم تائهون بسبب عدم معرفتهم باللغه العربيه وطبعا بموروثاتهم الدينيه الخاطئه السابقه بألاف السنين ,, ولكن ما عذر من عندنا في مصر ؟؟؟؟؟؟