جيش لحد في الضفة الغربية!؟

اسامة ابو ارشيد

2008-09-25

 تفاصيل جدُّ خطيرة تلك التي أوردها الصحفي الإسرائيلي ناحوم برنيع في مقالته المنشورة في صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية في عددها الصادر يوم 19 من الشهر الجاري.
برنيع هذا تحدث في مقالته والتي ننشرها في الصفحة 18 من هذا العدد، عن لقاء أمني دار بين مسؤولين أمنيين فلسطينيين وآخرين إسرائيليين في مستوطنة بيت إيل قرب مدينة رام الله، وسمح له بحضوره. برنيع يتحدث عن تفاجئه باللغة التي تحدث بها مسؤولوا السلطة الأمنيين في رام الله، بل وعدم تورعهم عن الحديث بفجاجة عن مكون من مكونات شعبهم أمام صحفي إسرائيلي علموا بحضوره للقاء، وبالطبع علموا بأنه سيكتب عنه. في ذلك اللقاء يتحدث مسؤولوا الأمن في سلطة مقاطعة رام الله عن "العدو المشترك"، ومن هو!؟ إنها حماس! أحدهم من السفلة يقول وبكل تبجح لمسؤولي الأمن الإسرائيليين: "ليس هناك خصام بيننا…. لدينا عدو مشترك". ويضيف سافل آخر: "نحن في معركة صعبة جداً. هناك مثل بالعربية-البحر من أمامنا والعدو من ورائنا-ونحن لا نملك حتى بحراً. قررنا خوض الصراع حتى النهاية… حماس هي العدو. قررنا شن حرب عليها… أنتم توصلتم إلى هدنة معهم أما نحن فلا". ويضيف ذات هذا المسؤول المنحط، متباهيا بأن السلطة أغلقت أو سيطرت على كل المؤسسات التي يشتبه بأنها تابعة لحماس في الضفة الغربية بناء على تعليمات إسرائيلية.
في ذلك اللقاء، لم يكف وكلاء الاحتلال الأمنيين في مقاطعة رام الله عن استجداء مسؤولي الأمن الإسرائيلي بالسماح لهم  بإدخال قوات إضافية وأسلحة جديدة استعدادا لمواجهة "العدو المشترك" مطلع العام القادم، وذلك لأن نهاية ولاية محمود عباس الرئاسية ستنتهي حين إذ، وهم يريدون إرغام الشعب الفلسطيني على تجرعه لسنوات إضافية رغما عنه (أي الشعب طبعا).
وفي مقابلة أخرى مع صحيفة هآرتس الإسرائيلية يقول من يوصف بقائد جهاز الأمن الوطني في مقاطعة رام الله، ذياب العلي، بأنه لا يستبعد التوجه إلى احتلال قطاع غزة بالقوة لإنهاء ما أسماه سيطرة حماس عليه. ولذلك يطلب هذا العربيد، مساعدة إسرائيلية وأسلحة جديدة وموافقة أردنية ومصرية كي يذبح الأخ أخاه، في حين يفرك المحتل يديه فرحا أن ثمة من هو أسفل منه في الجانب الفلسطيني. طبعا عندما يتحدث هذا المنحط عن التفكير باحتلال قطاع غزة بالقوة، فهو يعلم بأن قواته لن تتمكن من ذلك وحدها، وهي التي ولت هاربة، شاردة، وطريدة في الأرض في ساعات حين البأس، ولذلك فهو يقصد إسنادا عسكريا ضد جزء من شعبه.
أريد أن أتكلم بصراحة وبدون رتوش. أنا لست معنيا هنا بإدانة مثل هذا الفريق المنحط وطنيا وأخلاقيا، ذلك أنهم عملاء بما تحمل الكلمة من معان. إنهم دون الدون في المجتمع الفلسطيني، والشعب يعلمهم جيدا. أيضا، أنا لا يهمني هنا الانتصار لحماس، وقلتها دائما وسأقولها من جديد، إنني لا أدافع عنها كحركة مقاومة، ولكن كخيار شعبي في الانتخابات التشريعية الأخيرة عام 2006، ولهم الحق، كل الحق، أن يحكموا بالتفويض المعطى لهم شعبيا، وعليهم أن يتنحوا إذا ما خسروا الانتخابات القادمة.
ما أريده قوله هنا، أنه ما من شيء يزعجني أكثر من أولئك "الإمعات" الذين لا زالوا يتحدثون عن ما حصل في غزة وكأنه انقلاب، وكأن حماس لم تفز في الانتخابات التشريعية بأكثر من 60% من المقاعد. أيضا، ما يزعجني أن أولئك "الإمعات" يتحدثون عن انفصال قطاع غزة عن الشرعية، في حين أن الخارج عن الشرعية فعليا هي مقاطعة رام الله، التي يتولى رئاسة حكومتها شخصية لم تحصل على 2.5% من التفويض الشعبي في الانتخابات الأخيرة. البعض من أولئك "الإمعات" الذين يتحدثون بلغة "حيادية" و"موضوعية" يتعامون عن حقيقة أن سلطة مقاطعة رام الله تساهم في فرض الحصار على قطاع غزة. تجوع أبناءه وتقتل مرضاه وتحتجز أهله. إنها تمنع عنهم دفاتر جوازات السفر، وتطلق لرجليها الريح إلى واشنطن وتل أبيب احتجاجا على القاهرة إن افتتح معبر رفح ولو ليوم واحد. وتدفع بالأطباء والمعلمين إلى إضرابات مسيسة في القطاع، وإلا كان الجزاء قطع الراتب.
حركة فتح في صيغتها الحالية تحولت إلى "جيش لحد". هذا لا يعني أنها تعدم الشرفاء في صفوفها، ولكنهم إما مهمشون وإما مخروسون خوفا على حياة أو سلامة، وهم في المحصلة مذنبون بصمتهم. آن الأوان لوضع لغة "الحياد" و"الموضوعية" الزائفة والمنافقة جانبا وتسمية الأشياء بمسمياتها. وبغير ذلك، فإننا جزء من المؤامرة على هذه القضية وعلى هذا الشعب.
مرة أخرى، هذا ليس دفاعا عن حماس، وهي لا تعنيني هنا، ولكنه دفاع عن قضية عادلة وشعب مظلوم، انتكب بعمالة في رابعة النهار كما انتكب باحتلال، كما أنه منكوب بحلفاء "حمقى" لا زالوا يساوون بين الظالم والمظلوم.

ما رأيك بما قلتُه؟ أسعدني برأيك !!