تضامنا مع غزة: النواب العرب يقررون مقاطعة انتخابات الكنيست

 

معاذ خطيببقلم معاذ خطيب * (الراصد)

في هذه الأثناء التي يستمر فيها العدوان الإسرائيلي البربري على قطاع غزة، حيث لا تزال دماء النساء والأطفال تجري أنهارا في شوارع المدينة وبين أنقاض البيوت المدمرة ومن أسرة المستشفيات، وقد تجاوز عدد الشهداء الذين سقطوا في هذه المجازر التي ترتكبها الحكومة الاسرائيلية بدعم من كل الكتل والتيارات والأحزاب السياسية الألف شهيد يشكل الأطفال والنساء أكثر من ثلثهم؛ في هذه الأثناء بدأت تتعالى أصوات ضمائر النواب العرب الأعضاء في الكنيست الإسرائيلي، وقد كانت سابتةً أو قل لاهية بمصالحها عن ما تفعله الدولة التي هم أعضاء في برلمانها الذي يصنع قراراتها.
 فقد اتصل بي صباح اليوم النائب العربي فالح اللاهي، ولا أخفيكم أنني فوجئت بما قاله، ليس من باب الإنكار بل من باب أنني لم أتصور أن يصحو ضمير نائب عربي يوما من الأيام، وهو لا يزال جاثما على كرسي العضوية الكنيستية.
 
لقد أخبرني أن ضميره بدأ يتململ في داخله ويؤنبه، حين رأى صور المجازر التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة ومشاهد الأطفال الأبرياء المضرجين بدمائهم، والآخرين الذين قطعت أوصالهم وتناثرت أشلاؤهم؛ وبشكل خاص صور تلك السيدة الفلسطينية التي رأيناها وابنها الذي لربما لم يجاوز الثانية عشرة من عمره وقد جلس إلى جوار أمه المصابة، معانقا إياها ودمعه معانقا دم أمه النازف من صدرها وقد وضع ابنها ضمادة على مكان جرحها الغائر راجيا روحها أن تمكث ولو قليلا، لتكون لحظات بعدها تفارق الأم الموت الذي كان يسمى حياة، لتستقبلها الحياة الحقيقية الأزلية في جنان مَن يحبهم ويحبونه.
رأى النائب العربي فالح –كما أخبرني- هذا المشهد على التلفاز، فأصاب من قلبه مقتلا حرك في أحشائه ضميرا نائما لم يكن ليصحوا إلا بفرحة حُلمية غامرة، وقد ظن أنه مالكها بملكها للكرسي الذي يجلس عليه؛ أو بحزن ولوعة قاهرة، ها قد هزت أعماق لبه ليستفيق ضميره ويبدأ معه حسابا كان يتمنى السيد فالح أن لا تنشق الأرض ولا تبتلعه ليكون له من الوقت ما يكفي للتكفير عن ذنوبه التي غرق بها حتى أذنيه.
 

فقال لي: "كيف رضيت أن أكون عضوا في برلمان يقتل جيشُه أبناء شعبي ليل نهار؟"

 

لقاء خاص مع النائب فالح اللاهي، عن القائمة العربية "لا للعار"

 

كيف رضيت أن أكون عضوا في برلمان هو في النهاية جزء من هذه المنظومة الظالمة التي استباحت دماء الأبرياء من شعبنا الفلسطيني، وأمتنا الإسلامية؟
وكيف أجلس في مجلس الذين يخططون وينفذون القتل والتشريد والتدمير ضد من ندعي ليل نهار أنهم أبناء جلدتنا ولهم منا نصرنا ولقضاياهم انتصارنا ؟
ألم أخجل من نفسي حين قبلت أن أجالس وأداري وأداهن أعضاء برلمان هذه الدولة التي أعلم علم اليقين أنها دولة احتلالية لم تنشأ إلا على أشلاء الشعب الفلسطيني وأنقاض قراه ومدنه التي هدمت بيوتها فوق رؤوس أبنائه؟
وكيف قبلت أن أقسم يمين الولاء للدولة المحتلة، هذا الولاء الذي لا يكون إلا بالتنكر لشعبي ووطني سرا وعلانية، جهارا ونهارا، بمجالستي قاتلهم والاعتراف بشرعيته بأن شاركته وكنت عضوا في برلمانه؟
بل أي معاني الإنسانية يمكن أن أدعي بعد الآن حين أرى أبناء شعبي وأمتي يذبحون، ثم أتوجه للكنيست فأجلس في برلمانهم، ما لا يمكن اعتباره إلا تشجيعا لهم وتصديقا وتأييدا لما يفعلون؟
 

ما الذي نجحنا في فعله حيال القضايا المصيرية التي تخص شعبنا وتمس جوهر وجوده وحضوره، من خلال البرلمان؟

 

كل هذه الفترة وأنا أضحك على نفسي.. كنت أقول إن وجودي في الكنيست هو لصالح العرب ولتحصيل حقوقهم.. قدمت شكوى ومطالبة بزيادة تمثيل الموظفين العرب في وزارة المعارف، وصرخت منددا بتعيين اللجان التي يرأسها يهود لتولي إدارة السلطات المحلية العربية، وطالبت وزير الصناعة بتسهيل منح التراخيص لرجال الأعمال العرب، ونددت بالمعاملة العنصرية التي يقابل بها المرضى العرب في المستشفيات الاسرائيلية… لقد فعلت كل هذا، لكن كم من هذه المطالب استجيب لها، وكم منها كانت نفخة في رماد؟ وحتى لو تحققت كلها، فهل هذه هي قضايا شعبنا الأولى؟

 

مصادرة الأراضي
 
منذ بدء التمثيل العربي في البرلمان الإسرائيلي "الكنيست" ومصادرة أراضي العرب مستمرة بشكل مخطط وممنهج. فكم من المرات نجحت أنا وأعضاء الكنيست الآخرين بمنع مصادرة الأراضي؟ المرة الوحيدة التي نجح فيها أحدهم  بمنع المصادرة كانت بالمقاومة والتضحية الحقيقة حين قام أحد الرموز الوطنية الحقيقية في بلادنا (ليس عضو كنيست، بالصدفة) بالاعتصام في أرض الروحة ومعه أعضاء اللجان الشعبية ضد المصادرة، وهناك تعرضوا لإطلاق النار لكن هذا لم يثنهم وواصلوا اعتصامهم حتى تحررت أراضي الروحة. حقا، لم ينفع زعيقنا ولا صراخنا على منبر الكنيست ولا ضربنا على الطبل المخزوقة.
 فماذا أمكننا أن نفعل حتى الآن من خلال منصات الكنيست لحل قضية مصيرية هي قضية مصادرة الأراضي ؟
 
 
قضايا النقب
 
وأما قضية التضييق على أهلنا في النقب ومصادرة أراضيهم والهدم المستمر لبيوتهم ومساجدهم، بل ووصول الأمر إلى إطلاق النار عليهم من قبل المستوطنين الجاثمين على أرضهم التي منحها إياهم البرلمان الذي أشارك أنا فيه، فماذا فعلنا حيالها وما الذي قمنا به من خلال الكنيست لتعزيز صمودهم وتثبيتهم في أرضهم؟
الحقيقة أننا جميعا ومعنا النائب العربي عن النقب لم نفعل شيئا. من فعل شيئا هو الذي ذهب ومعه آلاف من أبناء حركته المؤمنين بفكره ونهجه إلى قرى النقب التي لا يزال البرلمان الذي أنا عضو فيه رافضا الاعتراف بها ولم يمدها حتى بالماء والكهرباء. فأنجزوا عشرات المشاريع بقيمة ملايين الشواقل، من بناء مدارس وصيانة مساجد، وتعمير بيوت وإقامة حدائق للأطفال، وتسييج الأراضي العربية لمنع الاعتداء عليها، وزرع أشجار الزيتون فيها لتعزيز صمود أهلها ولترسخ أقدامهم في أرضهم كما رسخت وضربت جذور الزيتون فيها.
 
 
انتفاضة الأقصى ومجازر غزة
 
وقد كانت انتفاضة الأقصى في اكتبور سنة 2000، فهل نجحنا في منع شارون من دخول أقدس مكان لدى الغالبية العربية المسلمة في البلاد، وهل أقام لنا شارون حسابا حين قام بدخوله مستفزا المشاعر ضاربا بنا وبتمثيلنا عرض الحائط ؟ وهل كان لنا وزن حين قامت شرطة الحكومة الاسرائيلية التي نحن أعضاء في برلمانها بقتل ثلة من أبناء شعبنا في الداخل، حتى الآن لم يتم تجريم أي من قاتليهم؟ وهل أسهم وجودنا في الكنيست في أقل القليل وهو الكشف عن هوية القتلة ومحاكمتهم محاكمة عادلة ؟؟
وها هي انتفاضة غزة الأخيرة، ولن نتحدث عن المجازر التي يقوم بها جيش هذه الدولة التي نحن جزء منها هناك في غزة، بل سنتحدث عن ما فعلته قوات الشرطة والوحدات الخاصة الاسرائيلية بأبنائنا هنا في الداخل، حيث قمعت التظاهرات وتم الاعتداء على المتظاهرين بوحشية وسادية وحيوانية، فهل كان لتمثيلنا في الكنيست أي قيمة، أم أن قيمتنا ديست تحت أقدام الشرطة التي اعتدت على أبنائنا بكل صلف وعنجهية وتحدّ ٍ؟
الحقيقة أنني أعجبت جدا بكلام السيد فالح اللاهي، النائب العربي في البرلمان الإسرائيلي، وللحق فقد أردت أن أخلع له قبعتي لأعرب له عن تقديري له وإعجابي بجرأته، فتحسست رأسي بحثا عن القبعة التي لم أجدها، وهنا أفقت ووجدتني وحيدا في غرفتي وقد سهت عيني وأغرقتني في أحلامي الوردية المعهودة. بينما كانت عيني الأخرى لا تزال مفتوحة مسمّرة على الشاشة ناظرة لمشاهد القصف المدفعي والأشلاء الفلسطينية في غزة.

 

 وأما أذنيّ فكانتا مشغولتان عن كل ذلك بصوت الإذاعة التي كانت تتحدث عن عدم تنازل أي من نواب الكنيست العرب وتدهور إمكانية أن يشترك النواب العرب في قائمة تمثيلية موحدة. لعنت الكراسي كلها إلا كرسي الحاسوب حيث أويت إليه لعل عنده بعض سلوى، ودخلت أحد مواقع الانترنت الإخبارية، حيث حملقت في عنوان الخبر الرئيسي الذي كان مثيرا للغاية: "نواب الكنيست العرب يستنكرون بشدة العدوان الصهيوني على غزة". دخلت فورا لأرى بقية الخبر وهناك كان مقطع فيديو لأحد أعضاء الكنيست وقد بدا مثل غلاية القهوة التي نـُسيت على النار، فكان يرغي ويزبد ويرعد ويتوعد، وفي النهاية قال: "على الجماهير العربية في الداخل أن تعاقب مرتكبي مجازر غزة في انتخابات الكنيست المقبلة بالتصويت للأحزاب العربية فقط".

 

ها هي دماء الفلسطينيين في غزة باتت تستغل للمزايدة السياسية وكسب المصوتين بدل أن نراجع أنفسنا وننسحب من برلمان هذه الدولة المجرمة التي تقتل أبناء شعبنا ليل نهار… فبالله من أي البشر نحن؟
 
أخذت قرصا منوما بعد أن حشوت أذنيّ بالقطن وأطبقت كلتا عينيّ الجحودتين، ورجوت الله أن أنعم بحلم وردي آخر.
 
* سابقا رئيس لجنة الطلاب العرب في جامعة حيفا
Mouad@meezaan.org

 

 

تعليق واحد

  1. بوركت اخي فض فوك ولا عاش حاسدوك

ما رأيك بما قلتُه؟ أسعدني برأيك !!