الإسلام أو الجزية أو القتال لكم يا غير المسلمين؟

يقولون إن الإسلام لا يؤمن بالمواطنة وأنه يجعل من غير المسلمين مواطنين من الدرجة الثانية وأنه يجبرهم على اعتناق الإسلام بتخييرهم بين أمور ثلاث : الإسلام أو الجزية أو القتال . ويستشهدون على ذلك بقوله تعالي : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) التوبة : 29.

فهل ما ذهب إليه المتقولين هو حكم الإسلام ؟ وهل حدد الإسلام العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين علي هذا النحو؟

بداية فأنا أقر بأن المتقولين بهذا القول قد أصابوا كبد الحقيقة في كل ما ذهبوا إليه وذلك في حالة كون القرآن الكريم لم يحدد العلاقة بين المسلمين وغيرهم إلا بهذه الآية الكريمة, أما إذا كانت هناك آيات أخرى تنظم هذه العلاقة ولم يتم الإشارة إليها – سواء من المسلمين أو من غيرهم – إما عن جهل أو عن تجاهل فإن الخطأ خطأ هؤلاء المتقولين. ذلك أن البحث العلمي الصحيح المحايد يستلزم أن نضع نصب أعينينا جميع النصوص الواردة في المسألة الواحدة قبل استنباط الحكم, أما التمسك بنص واستبعاد نص آخر فهذا هو حكم الهوى لا حكم الإسلام.

الحقيقة أن الله سبحانه وتعالي قد ذكر في القرآن الكريم آيات أخري تحدد العلاقة بين المسلمين وغيرهم منها قوله تعالي ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين * إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا علي إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ) الممتحنة 8 – 9 .

آية تأمر بفرض الجزية وجعلهم صاغرين , وآية أخري تأمر بالبر والعدل والقسط. فهل هناك تناقض بين الآيات؟

إن العلاقات بين البشر علي مر التاريخ تمر بأحوال كثيرة , ففترة تكون حربا وقتالا وتارة تكون سلاما ووئاما, ولكي يكون التشريع الإسلامي صالحا لكل زمان ومكان يجب أن ينص دستوره علي نصوص تتوائم مع كافة أحوال البشر , وفي هذا يتفق القرآن الكريم مع المواثيق والمعاهدات الدولية التي نظمت العلاقات بين الدول في حالتي الحرب والسلام.

من النصوص القرآنية السابقة يتضح أن الإسلام لم يأمر بقتال غير المسلمين إلا في حالتين لا ثالث لهما, الأولي : القتال في الدين , والثانية : الإخراج من الديار (الوطن) . وفي غير ذلك أمر الإسلام بالبر والقسط (العدل), بل ودعا إلى المودة أيضا كما سيتضح بعد قليل !!.

هل العداء شامل ودائم ؟

لم يجعل الإسلام العداء شاملا لكل غير المسلمين, ولا دائما للفئة التي قاتلت المسلمين, قال تعالي: ( عسي الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم) الممتحنة :7 . لاحظ قوله تعالي ( عاديتم منهم ) ومنهم تفيد التبعيض أي أن العداء خاص فقط بالطائفة التي قاتلت المسلمين ولا يمتد إلي الطائفة المسالمه . حتى الفئة المقاتلة لم يجعل القرآن الكريم عدائها دائما فعسي الله أن يجعل بعد العداء مودة كما هو منصوص عليه بالآية السابقة. وقد اختتمت الآية بإشارة لطيفة للعفو – عن الفئة المقاتلة – عند المقدرة قال تعالى : (والله قدير والله غفور رحيم) .

ولمعرفة قوة العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين المسالمين الذين لا يقاتلوننا في الدين أو الوطن فقد وصفها الله سبحانه وتعالي بالمودة وهي نفس الصفة التي وصف بها العلاقة بين الزوجين قال تعالي : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) الروم : 2 . وبذلك تسمو العلاقة بين المسلمين وغيرهم في المجتمع الإسلامي فوق كل دعاوي المواطنة وحقوق الإنسان.

الفرق بين الديني والتاريخي:

إلي هنا أعتقد أنه لا مطعن علي التشريع الرباني للعلاقة بين المسلمين وغيرهم في المجتمع الإسلامي. المشكلة تكمن في التطبيق العملي لهذا التشريع الذي يقوم به بشر يصيبون ويخطئون, فإن أصابوا فنعم وبها وإن أخطئوا فإن الظلم ينسب للبشر ولا ينسب لله سبحانه وتعالي, ولا توجد مشكلة لدي المسلمين في الاعتراف بوجود أخطاء في التطبيق البشري بل وخطايا فهم لا يؤمنون بعصمة أحد فبالتالي الاعتراف بوجود أخطاء في التاريخ الإسلامي لا ينتقص من دينهم شيئا.

صور من المواقف التاريخية وحكم الإسلام فيها :

مما سبق يتضح أن الإسلام لم يحدد حكما مسبقا لغير المسلمين ولم يعاملهم جميعا معاملة واحدة , بل إن غير المسلمين هم الذين يحددون موقف الإسلام منهم فإذا اختاروا الاندماج في الوطن والبعد عن العداء كان لهم البر والقسط والمودة , أما إذا اختاروا التحالف مع أعداء الوطن  فعليهم القتال والجزية عن يد وهم صاغرون. وبذلك يتضح أنه لا مودة دائمة ولا عداءا دائما, وأن كل جيل مسئول عن تصرفاته ومواقفه.

كتبه ممدوح أحمد فؤاد حسين، بتصرف.

كيف كانت جيوش الإسلام تفتح البلاد والأمصار والقارات؟

 

 

عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميراً على

6 تعليقات

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أخي معاذ.. كيف حالك؟

    المقال رائع بكل معنى الكلمة وهو ردّ على كل اللذين يعرضون “الجزئيّات” دون “السياق” الكامل للأحكام التشريعيّة.. فكذلك فعلوا مع حدّ قطع اليد واستبشعوا أن يكون هذا الحكم إنسانيًّا وكذلك فعلوا مع تعدد الزوجات… أخذوا الجزئيّة الصغيرة و”بهروها” ثم عرضوها على الواقع المعاصر قائلين: أنظروا..!! أنظروا إلى هذه الرجعيّة وهذا التخلّف.. ووالله الذي لا إله إلا هو إنهم هم المتخلّفون والرجعيّون.. فانظر متى تمّ التوصل بقناعتهم إلى أنّ “العقل” هو مصدر “منهج الحياة”؟ منذ عصر التنوير… ومنذ ذلك الوقت وبالرغم من أنّ العقل لم يعطِ الإجابات الشافية على كل أسئلة الحياة وبالرغم من صدور الكتابات الكثيرة التي تقول إنّ العقل لا يمكنه معرفة كلّ شيء وإنّ الإنسانية سائرة إلى بوار ما لم تجد حلاًّ ينقذها.. بالرغم من كل هذه الصيحات فهم لا زالوا سادرين في غيّهم! بدلاً من أن ينظروا إلى الإسلام على أنّه الحل الوحيد للإنسنية إن أرادت أن تعيش بكرامة الإنسان.. ورفعة الإنسان.. وإنسانيّة الإنسان..

    أطلتُ عليك ولكنّها الحرقة على أولئك الحمقى.. وإضافة لما قلت فالإسلام حين أمر بالجهاد لنشر الدعوة لم يكن الامر عشوائيًّا.. فقد كان الجهاد لإزالة الحواجز التي تمنع وصول الدعوة الإسلامية للناس في كل الأرض.. ممثلة -هذه الحواجز- بحكومات وأنظمة وجيوش.. بعد أن رفضت دعوة الحقّ ورفضت نشرها في البلاد ورفضت دفع الجزية.. حينها لا يبقى حلّ إلا الجهاد حتى تزول وتتمكّن الدعوة من الوصول إلى الناس بحرّيّة كاملة.. وهو إذًا كما قلت جهاد من يقاتل وفي حالات معيّنة وفي نهاية المطاف فالنّاس العاديّون المسالمون لن ينالهم أذىً.. بل إن الإسلام أعطاهم حقوقًا لو قورنت بما فعلته محاكم التفتيش لأخفض هؤلاء المتنطّعون رؤوسهم خجلاً من أمسهم المجرم البئيس!

  2. عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. حياك الله أخي شريف .. كيف أنت بين الفتحات والضمات؟ :)

    أشكرك لمرورك الطيب الذي أثرى المقالة جدا، ولا سيما قضية الجهاد وكون الهدف منها فعلا كما قلت “إزالة الحواجز التي تمنع وصول الدعوة الإسلامية للناس في كل الأرض”، ودليل ذلك البلدان الكثيرة التي فتحت دون أن يرفع سيف ويرمى سهم، وانتشر فيها الإسلام في ليلة وضحاها، لأنه لم تكن هناك مثل هذه الحواجز التي تستدعي ازالتها..

    بارك الله فيك

  3. موضوع غاية في الروعة و في الاتقان، نعم أن نضع نصب أعينينا جميع النصوص الواردة في المسألة الواحدة قبل استنباط الحكم, أما التمسك بنص واستبعاد نص آخر فهذا هو حكم الهوى لا حكم الإسلام لدي موضوع مشابه لهذا يتحدث عن آية السيف (( فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) [التوبة:5].

    وكيف يختارونا لوحدها من دون بقية آيات الجهاد، وقد اقتطع بعض الغثاء هاتين الآيتين أو اقتطعتا لهم من القرآن وقرؤوهما معزولتين عن بقية آياته، فكان الحكم الذي فهموه أن عليهم أن يقتلوا المشركين والمسيحيين حيث وجدوهم، وبدؤوا بتنفيذ هذه المهمة، فكانوا سبباً لتوقف المدّ الإسلامي الذي انتشر في سبعينات القرن الميلادي العشرين في الغرب بشكل جعل المتفائلين يظنون أنه لن ينتهي القرن حتى تكون أوروبا قد أسلمت.

    http://www.al3umq.net/realityjurisprudence/7-realityjurisprudence/34-honesty-integrity.html

ما رأيك بما قلتُه؟ أسعدني برأيك !!