فدائي فلسطيني.. اسمه كوزو اوكاموتو

هل سمعتم بهذا الاسم من قبل؟ جدير بنا أن نتذكر دائنا من ضحوا بدمائهم وأرواحهم فدا الوطن، ولو كانوا غير عرب أو غير مسلمين.

«على خط النار… كوزو. شباب ثوّار… كوزو… ضد الرجعية… كوزو… والصهيونية... كوزو».

هتافات تردّد صداها في بيروت قبل عشر سنوات للمطالبة بإعطاء المناضل الياباني كوزو أوكاموتو حقّ اللجوء السياسي الذي كان الأول (والأخير) في لبنان… منذ ذلك التاريخ اختفى كوزو عن الأنظار، فأين هو اليوم؟

1- الإنسان حين يثور … وحين يدفع الثمن

في سجن كفار يونا ( بيت ليد ) سنة 1972 استمعتُ وغيري من الأسرى الفلسطينيين إلى راديو إسرائيل وهو يبث نشرة أخبار تورد مقتطفات من محاكمة الثائر الياباني كوزو أوكاموتو.

أذكر أن كوزو قال يومها: ” إنني جندي في الجيش الأحمر الياباني أحارب من أجل الثورة العالمية، وإذا مت سأتحول إلى نجم في السماء ” … .

سنة 1972 كان عمر كوزو 28 عاماً، شاباً ثائراً ممتلئاً بالثورة والعنفوان، بكامل صحته الجسدية والعقلية. أما الآن فكوزو عمره 63 عاماً، لحق به دمار في صحته الجسدية والعقلية، ويحتاج إلى من يرعاه ويهتم بأموره، ما يفصح ليس فقط عن الحقيقة السافرة للعدو الصهيوني

وسجونه البغيضة ، بل عن حقيقية أخرى بسيطة ومريرة في آن: إن من يختار عليه أن يتحمل تبعة اختياره، ومن يسير في درب الثورة عليه أن يتحمل النتائج ودفع الثمن، في صحته وحياته ومستقبله، عليه أن يكون جاهزاً لكافة الاحتمالات، بما فيه احتمال تدمير جسده مقابل احتفاظه بشرف المعنى والموقف، وأن ينطبق عليه ما قاله أرنست همنغواي في (الشيخ والبحر) :

” الإنسان يمكن أن يحطَّم، لكنه لا يهزم ”

لا يجوز أن يحمِّل أحدنا الله والناس والوطن (جْميلة) إذا ناضل وضحّى، والإنسان عليه أن يتقبل نتائج ما يؤمن به ونتائج مواقفه واختياراته هذا صحيح. وإذا كنت قد تحدثت عن نفسي قبل قليل، فليس ذلك فقط بفعل الذاكرة وتداعياتها وانتمائي إلى فئة الأسرى، بل لأنني أريد القول بأن التضحية أشكال ومستويات ودرجات، وأنا أقيس نفسي بمن عانى وضحّى أكثر مني. ونحن الأسرى، السابقين والحاليين، نعرف أن من بيننا من عانى وضحّى إلى درجة فقدان البصر، إلى درجة المرض النفسي والجنون الفعلي (لا الجنون الإبداعي!)، وهناك من أضاء إلى درجة الاشتعال حتى الاحتراق الكامل، إلى درجة الاستشهاد.

في السجن، لم أكن أخشى سوى شيء واحد: الجنون، أن أفقد عقلي. ففي هذه الحياة الممتلئة بالمباهج والمفعمة بالقسوة، بالكاد ينجح من له عقل، فما بالكم إذا فقد الإنسان عقله. الحمد لله، خرجت من السجن وأنا بعقل سليم في جسم غير سليم!

أما زميلنا ورفيقنا كوزو، فهو من الذين خرجوا من السجن، وهم (رغماً عنهم) محطمون جسدياً وعقلياً، وإن كانوا، من بين الحطام، يُظهرون ابتسامة، ويَرفعون شارة نصر!

2- الجيش الأحمر وعملية اللد

الجيش الأحمر الياباني هي منظمة دولية أسستها الآنسة فوساكو شيغينوبو في شباط (فبراير) 1971 بعد انشقاقها عن الحزب الشيوعي الياباني. كان حجم المجموعة حوالي 100شخص، وكانت في فترة من الفترات عندما كانت في قمة نشاطها «أكثر الحركات الفدائية إثارة للخوف». كان للجيش الأحمر الياباني علاقات وطيدة مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وكانت أهداف الجيش الأحمر الياباني الإطاحة بالحكومة اليابانية والحكم الإمبراطوري والملكي لبدء ثورة عالمية.

في صبيحة يوم 30 أيار 1972 تمكنت مجموعة تحمل اسم مجموعة الشهيد ” بات

محاكمة كوزو اوكاموتو في اسرائيل 1972

ريك اوغويللو” مكونة من ثلاثة رفاق من أعضاء الجيش الأحمر من اقتحام مطار اللد (أسمه حالياً مطار بن غوريون الدولي). ألقت المجموعة خمسة قنابل يدوية , ثلاث منها على الطائرات الجاثمة في المطار وواحدة على قسم الجمارك في المطار والخامسة على السيارات الموجودة في المطار وقد أسفر ذلك عن قتل 26 إسرائيلياً وجرح أكثر من 80 آخرين.

بعد إلقاء القنابل قامت المجموعة بالانسحاب من المطار واشتبكت في طريقها مع دورية إسرائيلية قرب سجن الرملة حيث أسفر الاشتباك عن إصابة 5 أفراد من الدورية.

الرفاق اليابانيون الثلاثة أستشهد منهما اثنان هما البطل تسويوشي أوكودايرا (باسم) والبطل ياسويوكي ياسودا (صلاح) بالإضافة إلى أسر البطل كوزو أوكاموتو (أحمد). وكانت هذه العملية بتخطيط من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

بعد 13 عاماً في الأسر الصهيوني، تم في20 أيار 1985 الإفراج عن كوزو أوكوموتو في إطار عملية تبادل واسعة (عملية الجليل) التي قامت بها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين(القيادة العامة).

مرفوعاً على الأكتاف بعد الافراج عنه عام 1985

وانطلاقاً من الاحترام الكبير لهذا الثائر الياباني الفلسطيني ألأممي، استقبلت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أوكوموتو استقبالاً حاراً في منطقة البقاع اللبنانية، وتم رفعه على الأكتاف.

3- قصة كفاح.. قصة معاناة

في 15شباط 1997 قامت قوة أمنية لبنانية بمداهمة منزل أمية عبود في جب جنين وألقت القبض على كوزو وخمسة يابانيين آخرين وتم سجنهم ثلاث سنوات بتهمة الدخول خلسة إلى لبنان .

في 2 آذار 2000 أشهر كوزو إسلامه داخل سجن رومية مع رفيقه كازيو توهيرا في محاولة للحصول على لجوء سياسي في لبنان مع قرب انتهاء مدة الحكم، أما آداتشي فقد تزوج من سيدة لبنانية هي أمية عبود بعد اعتناقه الدين المسيحي.

وقد قامت مجموعة من الشباب اللبناني باعتصام مفتوح في بيروت مقابل وزارة الداخلية للمطالبة بإعطاء كوزو أوكوموتو ورفاقه حق اللجوء السياسي، وكانوا يهتفون : ” على خط النار… كوزو شباب ثوّار… كوزو ضد الرجعية… كوزو والصهيونية… كوزو”

تم منح كوزو حق اللجوء السياسي في لبنان وهو اللاجىء السياسي الأول في لبنان. وقال مسؤول لبناني إن كوزو أوكاموتو قد منح حق اللجوء السياسي نظرا لسوء المعاملة التي تلقاها في السجون الإسرائيلية، لكن رئيس الوزراء الياباني وصف قرار بيروت بأنه مؤسف جدا، وقال بأن طوكيو ستواصل محاولة ترحيله.

أما رفاق كوزو فقد تم ترحيلهم في آذار 2000 من لبنان إلى الأردن، علماً أن هؤلاء اليابانيين ، بالإضافة إلى كوزو، يعدون أبطالا في نظر غالبية اللبنانيين لنصرتهم القضية الفلسطينية ومجابهة إسرائيل التي تحتل أراض لبنانية، وقامت السلطات الأردنية بطردهم إلى اليابان، وغادروا عمان بصحبة دبلوماسيين يابانيين، وقامت قوات الشرطة اليابانية المسلحة باحتجازهم حال وصولهم إلى مطار ناريتا في طوكيو، والأشخاص الذين اعتقلوا هم: ماساو آداتشي البالغ من العمر 59 عاما، وكازو توهيرا 46 عاما، وهاروو واكو 50 عاما إضافة إلى ماريكو ياماموتو البالغة من العمر 58 عاما.

محاكمة كوزو ورفاقه في لبنان 1997

كوزو ممنوع من إجراء أي مقابلة صحافية وفق ما تنصّ عليه شروط الحصول على بطاقة لاجئ سياسي. وهو غير قادر أصلاً على إجراء أي نوع من المقابلات أو الحديث مع أحد حتى لو أراد ذلك بسبب حالته النفسية. تقوم الجبهة الشعبية بتأمين مستلزماته والأشخاص الذين يقومون برعايته.

وهو يستطيع أن يقوم بالأشياء الضرورية فقط، يدخل الحمام، يأكل، يرتدي ثيابه، ويذهب إلى الحلاق. بعد خروجه من السجن لم يكن يستطيع أن يستعمل يده ليأكل، ولا يحسن استخدام الملعقة أو السكين، وكان قد فقد كلّ معرفة بنظام الحياة اليومي مثل غسل وجهه، تنظيف الأسنان،والاستحمام.

تطوّع ” الرفيق ”  بلال لمهمة رعايته وانتقل مع عائلته (زوجته دارين وطفلتهما) من صور إلى بيروت للإقامة في بيت كوزو. تعدّ حالة كوزو أوكوموتو مستقرّة اليوم بالنسبة إلى ما كانت عليه عشية خروجه من السجون الإسرائيلية في أيار1985.

الطبيب عامر كان من الأشخاص الذين رأوه في ذلك الوقت: ” أتذكّر أنه كان مدمرّاً بشكل غير عادي، لم يكن قادراً على تفسير ما حصل معه “.

ويستطرد مضيفاً التفاصيل: ” كان ظهره منحنياً ورجلاه مقوّستين. أسنانه ملتهبة ومسوّسة بحيث بدا فمه أسوداً، وكان يصدر أصواتاً تعبّر عن حالة الخوف والطلب، وكان يضحك ضحكة بلهاء فيما ضحكته اليوم هي أكثر تعبيراً عن الواقع” .

كانت معركة كوزو في السجن أن يحتفظ لنفسه بصورة المناضل الثوري، خصوصاً أن هذا ما كانوا يحاولون تدميره فيه من خلال أساليب التعذيب النفسي التي مارسوها ومنها أنهم وضعوه في زنزانة واحدة مع يهودي شاذ جنسياً،. كلّ ذلك في إطار مخطط لإفقاده معنوياته.

كوزو اليوم طفل كبير. يتمتع بحاسة قوية تكشف له من يحبه فعلاً ومن يشفق عليه.

لا يتأخر عن تناول أدويته المهدئة التي يعرف مفاعيلها، فقد عرض مرة على الرفيق سميح أن يتناول حبة ” لكي ينام يومين”، قال له ضاحكاً. وهو يطيع دارين عندما تحذّره من كثرة التدخين، ويفتح العلبة ليُري سميح كم سيجارة يدخّن في اليوم. وفي خضم كلّ هذه الحياة، يتذكّر كوزو أنه كان طالب جامعة يدرس العلوم الطبيعية في اليابان.

هذا هو كوزو أوكوموتو، سيرة ملحمية من النضال والتضحية والمعاناة.. والصمود

بتصرف، من مقالة للدكتور عدنان جابر – دمشق 2008

للاستزادة: هنا

5 تعليقات

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أخي معاذ ,

    أردت أن أقول لكَ أن الرسول عليه الصلاة والسلام سُأل في الصحيح : ” الرجل يُقاتل للشهرة والرجل يُقاتل للمغنم والرجل يُقاتل حمية مَن في سبيل الله ؟ ” فقال النبي عليه الصلاة والسلام : ” مَن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ” وأزيدك أن مَن قاتل لتكون كلمة غير الله هي العليا فهو في سبيل الطاغوت فالله يقول { الذين آمنوا يُقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يُقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا } , فهذا الرجل إن مات على الكُفر كان مِن أصحاب الجحيم – عليه لعائن الله تترا – وعندنا مِن المسلمين الأبطال مَن يحيدنا عن ذِكر الكُفار والله أعلم

    بوركت
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أخوك المُحب لك : ابو اسحاق الاطرشي
    .-= آخر مقالة كتبها ابو اسحاق الاطرشي هي رسالة إلى أعضاء الكنيست =-.

  2. إضافة حسنة .. لمعلومات أخرى عن شخص لم نسمع عنه !
    بوركتم

  3. ابو إسحاق الاطرشي ! .. اما أنك لا تفهم اللغة العربية جيداً وهذا ما استبعده ، واما انك قرأت المقدمة وقمت بكتابة رد على السريع وهذا ما اظنه ! واما إذا كنت قد قرأت المقالة بالكامل فأنت من الحالة الاولى واضيف عليها بانك متخلف ومتأخر فكرياً وعقلياً ،، فاستيقظ أُيها الإرهابيُ :) .وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وصحبه وإله اجمعين .

  4. السلام عليكم
    أشكرك اخي عمر لمرورك، وأبدأ من رد الأخ مندهش.
    اخي العزيز، ليس بهذا الأسلوب يتم الحوار. ربما تختلف مع الأخ “ابو اسحق”، لكن هل تظن أنك بهذا الرد قد تقنعه، أم الأغلب أنك ستزيد اصراره على موقفه؟
    كان بامكانك محاورته والاقتراب أكثر من امكانية أن يقتنع بحديثك لو كان حديثا طيبا سمحا، أما هذه الصورة فهي تعمق الخلاف وتزيد الفرقة -ان وجدت-.

    أخي ابو إسحاق، اشكرك لمرورك أيضا.
    1- أنا لم أقل إن كوزو اوكاموتو شهيد، ولم أقل إنه قاتل في سبيل الله.

    2- أعتقد أن الحديث عن القتال في سبيل الطاغوت مقرون في الآية الكريمة وبشكل واضح بالمقاتلين الكفار قبالة المقاتلين المؤمنين، المؤمنون يقاتلون في سبيل الله، واعداؤهم الكفار يقاتلون في سبيل الطاغوت. وهذا لا يعني أن كل من لا يقاتل في سبيل الله هو كافر أو مقاتل في سبيل الطاغوت. أنا لا ادعي الفقه ولم أدرسه ولست شيخا ولذلك لست أهلا لأن اقدم فتوى أو شرحا شرعيا للنص، لكن هذه هي الدلالة الواضحة لغويا ومفهوما، وإن وجد لديك نص معتمد يقدم تفسيرا مخالفا أرجو تقديمه.

    3- انطلاقا من ذلك، لو وجدنا فلسطينيا فدائيا يقاتل في سبيل تحرير أرضه التي اغتصبت، هل تعتبر هذا قتالا في سبيل الطاغوت؟؟؟
    الله عز وجل يقول:
    “إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ…”
    فالإخراج من الديار، واغتصاب الأرض هو كالقتال كما يتضح في الآية الكريمة، فلو أن شخصا لم يقاتل في دينه بل أخرج فقط من أرضه، وقاتل كي يستعيدها، هل يكون مقاتلا في سبيل الطاغوت أو كافرا ؟؟؟
    4- ثم، لاحظ أن المقالة تذكر أن كوزو اوكاموتو قد أعلن إسلامه في السجن، فلو أن كل ما قلته سابقا لم يشفع له، ربما يشفع له هذا في نظرك؟
    5- نعم لدينا أبطال محمودون، لكن من قال إن هذا يمنع أن نذكر أبطالا آخرين ضحوا هم أيضا في سبيل الأرض التي قوتلنا وأخرجنا من ديارنا فيها؟

    أخيرا. ليست كل قضية يجب إخضاعها للتفقيه والتشريع وعرضها على أحكام الشريعة أخي إسلام.. القضية بسيطة هي ذكر حياة شخص ضحى لأجل غيره، وهي قيمة إسلامية وإنسانية سامية، يجب أن تذكر بل وتسطر بماء الذهب.

  5. اعقد ان الافكار الثورية الذ زرعتها الثورة الاشتراكية في روسيا .كانت كلافيون للشعوب المسكينة والمتخلفة خدرتهم كما يخدر اليو الارهاب الكثير من المغرر بهم.يذهبوا مت بلدان يمكنهم ان يحصلوا فيها على كل شي ليصبحوا ضحايا .دون هدف في بلدان اخرى ,زمنهم نساء ايضاَ.اعتقد بان هناك جزء في الدماغ يتاثر بالاشياء كما يتأثر بالافيون.الغريب ان روسيا الذي تدفع بشعوب الدول الفقيرة لقتال الامبريالية والرسمالية ,وامريكا لاتبعد حدودها عن امريكا اكثر من اربعه كيلو متر .ولم يحدث شي في تاريخها..
    هناك دول التعرف الثورة ولا الثوار واوضاعها مجتمعاتها من ارقى الشعوب وافضلها..
    هؤلاء الشباب اليابانيين .نموج للشباب المغرربهم الذي يخسرون حياتهم بدون هدف .والذي نراهم اليوم في التنظيمات الرهابية ..
    من ناحية اخرى القضية الفلسطينية كانت ضحية هي الاخرى لهذه التجاذبات بين الشرق والغرب ولم يكن هناك اي شي في مصلحة الشعب الفلسطيني ..

ما رأيك بما قلتُه؟ أسعدني برأيك !!