أن تركب الخطوط الجوية القطرية

 

إن أول ما سيدهشك حين تضع قدميك على سلم الصعود إلى الطائرة التي ستشق بك الغيوم إلى مطار الدوحة، هو اكتشافك بأن الخطوط الجوية القطرية ليست شركة عربية كما كنت تظن. فأول الوجوه التي ستتسقبلك هو وجه شاب شرق آسيوي، ماليزي أو إندونيسي يعمل كمضيف طيران على متن طائرات الخطوط القطرية. وما أن تزول ملامح الدهشة عن وجهك الذي تديره في أرجاء الطائرة يمنة ويسرة كأنه دولاب قيادة، حتى تعود لتحملق في وجوه المضيفات القادمات من دول شرق أوروبا كما يبدو، أوكرانيا أو روسيا البيضاء، ولربما كنَّ من رومانيا أو المجر أو أي دولة أخرى. لكنهن حتما لسن من أصول عربية.

يخاطبك الطيار بلغة تكتشف أنها العربية فقط حين يوجه لك “السلام عليكم”.. وما سوى ذلك ففهمه بالنسبة لك هو مثل محاولتك أن تفهم ماذا أقصد أنا حين أقول: “×÷ـ]!)*@؛)*)*!*^%!@&(^!@%)*!^@”

يسرك أن الطعام الذي يقدموه هو طعام عربي الهيئة.. رغم أنه سيء الطهو. تتظاهر بأنك لم تنتبه لزجاجات الكحول التي تسكب منها المضيفة لبعض المسافرين أشياء تعتبرها أنت “تذهب العقل” ويعتبرونها هم “تفتح العقل”. وما شأنك؟ لعن الله شاربها وبائعها وشاريها ولامسها.. وليس راكب الطائرة التي تحملها. تقتنص فترة انشغال جيرانك الركاب كلٌ بالتهام وجبته لتنقض أنت أيضا على حفنة الأرز المهترئة قبل أن ينتبه لك أحد، وتمضغها بسعادة كأنك لم تأكل منذ سنة خلت.

لكن تلك السعادة لا تلبث أن تزدردها حين يبدأ “البرنامج الترفيهي” للخطوط القطرية، و ما أشد خيبة أملي حين تبين لي أن هذا البرنامج كان ببساطة فلما أميركيا من تلك الأفلام الرخيصة التي تظهر لك شلة من الفتيات المراهقات، تطاردها شلة أخرى من المراهقين… حتى لو كنت مراهقا غارقا في مستنقعات الحب ستقرف من الفلم ومن سخافته وشدة التكلف فيه. كما أن خمسة أثمان الفلم مقاطع راقصة على النمط الغربي هي في غاية الابتذال تتكرر وتعود لتوغر صدر المسافر الذي يبحث عن ملاذ تفر إليه عيناه بعيدا عن الشارة الضوئية التي تشير إلى باب الطوارئ الذي يخبرك القائد أن عليك أن تقفز منه في حال اصطدمت الطائرة بجبل مثلا… لكن لا مفر سوى الفلم الرديء نفسه.. تتكرر مشاهده الراقصة أمامك  وتعود لتستفزك مرة بعد مرة.. مثل بعوضة وقحة في ليلة صيفية حارة.

تحاول أن تمد عينيك إلى مكان غرفة القيادة منتظرا لحظة ظهور ذلك المجرم الذي سيقتحمها ليهدد ربانها ويقوم بخطف الطائرة.. كما رأيتَ في أفلام عديدة؛ لكن عيناك تصطدمان بالساتر عنابي اللون الذي يقف شامخا مثل جدار الفصل العنصري، يفصل بين قسم ركاب طبقة ال Business وبين القسم الآخر، قسم طبقة الشعب المسحوقة الذي تجلس فيه أنت. لكم وددت في أن أحظى أنا أيضا بمثل ذلك الكرسي الكهربائي الذي يمكنه الصعود لأعلى والهبوط للأسفل والتحرك في كل الاتجاهات وينعم عليك بمساج ينسيك عناء السفر.

الركاب كلهم صامتون بين نائم وقارئ لكتاب… لا تسمع في الطائرة بأسرها صوتا غير صوت المحرك الهادر الذي تعتبر أنت استمرارك مرهونا باستمراره؛ إضافة لاصوات أشخاص ثلاثة.. هم أنفسهم الذين لم يسكتوا من بداية الرحلة.. وهم طبعا من نفس الطبقة المسحوقة، فلسطينيون مثلك، لست بحاجة لأن تستدير إلى الخلف لتتأكد من فلسطينية وجوههم، فكثرة ثرثرتهم وتركز أحاديثهم على “قسوة الظروف”، وجدالهم حول أسعار الحجر اليابس في السوق، إضافة لطلب ال Waiter بدل ال Water من المضيفة؛ كلها  لا تترك لك مجالا للظن بغير ذلك.

 

يتبع في الحلقة القادمة

 

14 تعليقات

  1. :)

    رحلة موفقة يا معاذ :)

    بخصوص صوت المُحرك .. فهذا قد يدل انك لم تركب مع ” طيران رخيص ” مثلاً Tuifly الألماني فيضطر الشباب لتلقيب طائراتهم بالـ سوبارو 83 :) طيران القطرية حتى مع الطبقة المسحوقة ممتاز !

    كتبت عن تجربة من نظرة مختلفة ، قد لا تعجبك .. ولكن :) إقرأها ان تيسر لك الوقت !!

    http://www.omartalk.com/omar/?p=2215

    • حياك الله اخي عمر والله يسلمك :)
      لا بالعكس لماذا يمكن أن لا تعجبني؟ أنا أرى أننا توافقنا على النقاط التي ختمت انت بها مقالتك وهي
      لو كان طاقم الطيران عربي ..
      لو كانت المضيفات بأقل مكياج ..
      لو كانت المشروبات .. بدون خُمور !!
      وما سوى ذلك، فالطابع الإيجابي لمقالتك ينبع بالأساس من برنامج الترفيه العربي، وهو لم يكن متوفرا في الطائرة الأقل حجماً التي استقلتنا إلى الدوحة. على ذلك أظن أن موقفي وموقفك قريبان
      :)
      اشكرك لمرورك الطيب عزيزي

  2. من الجيد ان تمر بمثل هذه التجربة .. وتضحد كل تلك الاعلانات على الشاشات (طيرانك المفضل ذو الـ5 نجوم) ! وان تقارن بينها وبين طيران اخر افضل بكثير منه (اياً كان) .. طبعا غير عربي .. ليس للتقليل من كفائة العرب ولكن لنأخذ الافضل من غيرنـا !
    فلنحمد الله ان لقطر طيران وليست كأختها الاردن ..
    وفقك الله في رحلتك .. وفي طلبك للمعرفة

    سرّني انك وصلت بالسلامة اخيرا .. ! بعد تلك التي اعتبَرتها معاناة ،،

    • اهلين ست مروة. أنا لم اقصد ان اقلل من شأن الخطوط القطرية.. حتى لا أفهم خطئاً. أنا كتبت ملاحظات حول نقاط معينة وجدتها بحاجة للإصلاح.. لكن في النهاية الخطوط القطرية خطوط 5 نجوم فعلا.. من الناحية المهنية والعملية

  3. اولا نتمنى لك السلامة والتوفيق في رحلتك يا ابو كمال ثم اننا نحسدك والله على المكان الذي انت فيه واتمنى ان لا اكون مخطئا بدليل الصورة الي نشرتها مع الاعلامي الفحل الاستاذ محمد كريشان ، وبما يتعلق بالخطوط الجوية القطرية سمعت ان لهم مكتبا في تل ابيب لا ادري صحة هذه المعلومات الا مع العلم اني لا اشك في مصداقيتها واختم براي المثل( غيرنا لغيرنا) وتذكرت كمان الشماغ الذي يرتديه العرب خاصة اهل الخليج ذات الماركة العالمية الشهيرة ( شماغ بروجيه) قد صنع في سويسرا وغيره الكثير من البضاعة والصناعات التي تصنع في الغرب ولا يستعملها سوى العرب .

    • عمي انس أسأل الله ان يتسنى لك أيضا أن تزور القناة وتذوق متعة الزيارة. بخصوص مكتب للقناة في قطر، هذه المرة الاولى التي اسمع بهذا. ما هو المصدر؟

  4. ريما - السعوديه

    السلام عليكم ..

    قطر و طيران قطر .. حتى تفهم جوها بشكل صحيح عليك ان تعرف الاساس .

    اموال وترف مع كامل التخلي عن الأحكام واللوازم الإسلاميه .

    انا لا احترم قطر كحكومه ولذا لا احترم ليس لأي سبب ولكن لسبب واحد

    انك ترى الغرب القبيح فيها . ولكني لا اكره الغرب لنفس السبب

    لأن قطر عرفت الحق واعرضت عنه وعذر الغرب انه لم يقرأ القرآن يوماً

    ولكن قطر فعلت ..

    اعتذر لحدة حواري ولكني بطبعي لا اجيد تزيين رأيي ..
    على كل حال

    مقالك اعجبني واسلوبك جميل وطرحك ممتع ماشاء الله ولا يخلو من الطرافه ايضاً ..

    اظن انني سأقيم في مدونتكم المميزه ( الراصد ) فترة لا يستهان بها ..

    دمت بود ..

    • سعيد جدا بمرورك اختي. لكن لكم تمنيت أن تزودينا بمعلومات حول طيران الدول الخليجية الاخرى، السعودية، الكويت، البحرين، على سبيل المثال. لا ينبغي ان نقارن بين قطر والولايات المتحدة، إنما بينها وبين دول عربية إسلامية شقيقة

    • الى الأخت ريما بعد التحية،

      في ابريل 2010 قام مركز اسلامي في احدى الدول الأوروبية باصطحاب مجموعة من الفتيان والفتيات الى الأراضي المقدسة لأداء مناسك العمرة وزيارة المدينة المنورة وفي رحلة العودة على متن الخطوط السعودية ( رحلة متجهة الى أوروبا) عرض فلم ترفيهي !! لا يقال فيه أنه خليع فقط بل يكاد يكون فيلم بورنو!! بشهادة المشرفين الذين جنّ جنونهم وطلبوا من المسئولين في الطائرة أن يوقفوا هذه المهزلة فورا فقيل لهم أن بعض ركاب الدرجة الأولى ( ركّاب فوق العادة) مستمتعون بالمشاهدة، ولكن المشرفين أصروا وتمت الاستجابة لطلبهم في النهاية. هذه معلومات أكيدة يا أخت ريما اذن ليست القطرية وحدها، الله يهدي الجميع.

  5. السلام عليكم أخ معاذ عودة ميمونة ونرجو أن تكون رحلتك قد حققت أهدافهاونتمنى لك التوفيق دائما.
    على فكرة طيران الولايات المتحدة ليس كما يظن البعض ، انه عادي جدا جدا وفي أحيان كثيرة أقل من عادي والخطوط الخليجية في معظمها أفضل من كثير من الخطوط الأوروبية والأمريكية التي لا تهتم اصلا بتقييم الخمس نجوم ولا الأربعة كل شيء محسوب بالفلس ومنذ أكثر من عشر سنوات انتهت الفخامة والرفاه على الطائرات ومن يفعل ذلك يفلس تركوه لغيرهم،الا أن معظم شركات الطيران تجعل أفضل خدماتها وأحسن طائراتها للرحلات الطويلة.

    • اتفق معك.. من المؤسف أن نرى اموال العرب تصرف في الرفاهية والدلال والبذخ بدل المشاريع البحثية والتطويرية…

  6. نحن مسافرين جزائرين متوجهين من الجزائر الب جدة علب متن الخطوط الق’طرية لاءداء العمرة قضينا الليلة في بهو المطر .
    ففي السنة الماضية كان لاستقبال احسن و عناية فلمادا هده المعاملة مع زبائنكم دائميين و برغم بان القوانيين الدولية IATA تنص علب ضرورة مبيث المسافرين بعد 6 ساعات.
    تنبيه فقط

    • اخي العزيز يؤسفنا هذا.. ربما يجدر ان تقوم بالاتصال بادارة القطرية وتقديم شكواك لهم كي لا يتكرر الامر مع غيرك

ما رأيك بما قلتُه؟ أسعدني برأيك !!