من جنوب افريقيا: القومية العربية والاسلام في جنوب افريقيا (1)

إن اول ما خطر ببالي حين دخلت اول مسجد في جنوب افريقيا هو الحركة القومية العربية.

كيف؟

بسم الله الرحمن الرحيم

حين دخلت مسجد القدس في مدينة كيب تاون التي تقع في جنوب دولة جنوب افريقيا، تحديدا في منطقة Rylands ، والذي رأيت اعلام فلسطين ترفرف فوق قبابه، هالني المشهد العظيم. المسلمون يتقاطرون على المسجد مسجد القدس في كيب تاونمن كل جانب، هم من كل الالوان، من كل الاجناس والأقوام والأعراق والسلالات البشرية. منهم الابيض والاصفر والاسمر والأسود، الهندي والماليزي والباكستاني والسوداني والشامي والنيجيري والأفغاني والقوقازي والملاوي والسريلانكي والاسكندنافي والمدغشقري وخليط بين هؤلاء وهؤلاء. يصعد الإمام الى المنبر ويبدو واضحا اجتهاده في التحدث بلغة عربية بأسلم صورة ممكنة مع ان معظم المصلين لا يفهمونها أصلا، بل ينتظرون الجزء الثاني من خطبة الجمعة الذي يعود على الموضوع لكن بالانجليزية. وما اروع حين يقرأ الماليزي آيات القرآن بصوته الندي، وما اروع حين يؤمّن المصلون على دعاء الامام الذي يتوجه به الى الله باللغة العربية، مع انهم لا يفهمون الكلام، لكن يفهمون لغة القلوب.

هنا تذكرت الحركة القومية العربية التي يريد تجارها ان انسى كل تلك الوجوه المسلمة التي أصرت على التمسك بالعروبة الحقيقية الصادقة التي رفع بها الاسلام من شأنهم وحول كثيرا منهم الى أحرار وأسياد بعد ان كانوا مستعبدين مضطهدين. لا يؤمن أي من هؤلاء بالقومية التي تفرقهم عن بعضهم وتجعل المفاضلة بينهم على اساس اللون او اللغة او بلد المولد، بل يؤمنون بالاسلام الذي يرونه حاضرا في صفوف الصلاة التي تتداخل فيها الوانهم مع لغاتهم مع ازيائهم المختلفة، الاسلام الذي أعلى شأنهم فأعلوا شأنه، وبسببه جاؤوا الى هذا الركن القاصي من الدنيا.

كيف دخل الاسلام جنوب افريقيا؟

إنه قدر الله أن تكون البربرية الاستعمارية الاوروبية وتجارة العبيد التي مارستها القوى الاستعمارية الكبرى في آسيا وافريقيا هي السبب الرئيس في انتشار الاسلام ووصوله الى جنوب افريقيا ليصبح الدين الثاني بعد المسيحية هناك.

في الكتاب “صفحات من تاريخ الاسلام في الكاب” (كاب-Cape هو اسم المنطقة، ومعناها “رأس” او “لسان” اي القطعة من اليابسة الداخلة في البحر) يروي الكاتبان يوسف دا-كوستا  و  احمد دافيدس (Yusuf Da Costa & Achmat Davids) قصة الاسلام في هذه المنطقة، وهي الواقعة في جنوب دولة جنوب افريقيا، أي في أقصى جنوب القارة الافريقية، وفي هذه المنطقة يقع رأس الرجاء الصالح (Cape of Good Hope) والذي عنده تحدث المعجزة الالهية التي تحدّث عنها الله عز وجل في سورة الرحمن وقوله “مرج البحرين يلتقيات … بينهما برزخ لا يبغيان” ، والحديث عن التقاء مياه المحيطين الهندي والاطلسي في تلك النقطة دون ان يختلطا ببعضهما البعض.

في مدينة كيب تاون، وتحديدا في شارع Dorp Street اسست “مدرسة” اسلامية في العام 1739، كان فيها يتم تعليم القرآن الكريم وقراءة العربية وكتابتها. بعد 5 سنوات بني أول مسجد، وفي العام 1807 كان عدد الطلاب فيها 372 من العبيد ومن العبيد المحررين، في 1825 وصل العدد الى 491. هذه المدرسة والمسجد كانا نواة الاسلام في جنوب افريقيا، اليها تهافت العبيد هربا من الكنيسة التي اغلقت ابوابها امامهم لان لونهم مختلف وبشريتهم مشكوك فيها، لاجئين الى المسجد الذي كان يتعلم الناس فيه ان “الناس سواسية كأسنان المشط.. وأن لا فضل لعربي على عجمي الا بالتقوى”.

وقد اسس المدرسة والكنيسة عدد من “الائمة” وعلى رأسهم “توان غورو Tuan Guro” وهو لقب معناه “السيد المعلم” اطلق على الامام عبد الله ابن القاضي عبد السلام. وفي منفاه وسجنه في جزيرة روبين (Robben Island) (وهي الجزيرة التي نفي اليها وسجن فيها نلسون مانديلا) الذي حبس فيه بعد اتهامه بالتآمر ضد الهولنديين،ألف الامام عبد الله بن عبد السلام (توان غورو) كتاب “معرفة الاسلام والايمان” . هذا الكتاب أسس لشبكة العلاقات الاجتماعية والحياتية والدينية بين الناس في تلك المنطقة، ويذكر انه فيه صرح الامام توان غورو انه سائر على مذهب الامام الشافعي.

من هذه المدرسة انطلق نور الاسلام ليسكن قلوب الناس.

والخلاصة هي أن القوى الاستعمارية الاوروبية التي سادت العالم في القرون الثلاثة التي سبقت القرن الثامن عشر (الهولنديون والبريطانيون والبرتغاليون) كانت تعمد الى نفي قادة الحركات الاسلامية التي قاومت الاستعمار في بلدانها مثل اندونيسيا والهند ومدغشقر، نفيهم بل وبيعهم كعبيد في القارة السمراء، ضمن حركة تجارة العبيد ال

تعليق واحد

  1. حبيبي يا عمتو
    اشتقنالكو خيا

ما رأيك بما قلتُه؟ أسعدني برأيك !!