لماذا غنى الشابي "إذا الشعب يوما اراد الحياة.." ؟ وهل هي حرام؟

قصيدة رائعة عليها ترعرعنا وعلى وقع موسيقاها الرائعة نشأنا. فما هي مناسبة قولها؟

 

 

لما دخل الاستعمار الفرنسي تونس عام ١٨٨١ ميلادية ، أشاع عبر المتصوفة أن الاحتلال قضاء وقدر ولا يجوز مقاومته ، بل أشاعوا أيضا لدى العامة أن علامة ذلك هو وجود التاريخ ١٨٨١ في أيديهم !

فما كان من أبي القاسم إلا أن رد بتلك الأبيات ، ولم يقصد القدر الرباني في أبياته أبدا ، بل قصد الاستعمار والفكر الذي في العقول الذي استسلم أصحابه للغزو الفرنسي .( من الآفاق)

ولو قيل ان قول الشاعر "فلا بد أن يستجيب القدر" لا يصح شرعيا، لأن القدر بيد الله وحده وليس لأحد القدرة على تغييره، يرد  أبو أويس علي الخطيب بالقول:

لعلكم تحملون بيت الشعر ما لا يحتمل، ثم إن القدر لا يفرضابو القاسم الشابي على الإنسان أن يفعل وإلا وقعنا في الجبر المذموم الذي يستلزم بطلان الثواب والعقاب؛ إذ كيف يثيب أو يعاقب الله تعالى على شيء جبر عبده عليه؟! وكذلك لا يفرض الإنسان على الله تعالى ما يفعل حاشا وكلا وإلا وقعنا في مذهب القدرية المذموم.والصواب الذي يفهم من بيت الشعر أن مصير الشعب هو الذي يحدده بإرادته وفعله.
والفرق بين الإرادة الكونية والشرعية، وبين فعل الفعل وخلق الفعل واضح قد تعلمناه منكم ولا يخفى عليكم إن شاء الله.

ويقول ابو اسامة المرادي:

مقصود البيت وصاحبه ان سنة الله في التغيير لا تكون الا بالبشر وان على المؤمنين ان يصنعوا التغيير بانفسهم كما قال الله تعالى (وَلَوْ شَاءَ اللهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ. وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ "

فالمشكلة ان علماءنا الكرام لم ينظروا في سياق الحديث وفي أي مناسبة قيل، وهذا مهم جدا، بل أخذوا الكلام على عواهنه وحملوا ما لا يحتمل.. وهذا خطأ.. فكلنا يعلم العدد الكبير من الاحاديث النبوية الشريفة والآيات الكريمة التي لا يمكن تفسيرها وأخذ الحكم منها إلا بالنظر في مناسبة قولها، وبأسباب النزول، بما يتعلق بالآيبات الكريمة.

ابو القاسم الشابي التونسي توفي وعمره 25 سنة اثر مرض في قلبه.. رحمه الله وتغمده بواسع رحمته.

القاء القصيدة، من انتاج الجزيرة.

هاتين قصيدتين رائعتين له، لجميع قصائده اضغط هنا

ارادة الحياة

إذا الشـــعبُ يومًــا أراد الحيــاة
فــلا بــدّ أن يســتجيب القــدرْ

ولا بــــدَّ لليـــل أن ينجـــلي
ولا بــــدّ للقيـــد أن ينكســـرْ

ومــن لــم يعانقْـه شـوْقُ الحيـاة
تبخَّـــرَ فــي جوِّهــا واندثــرْ

فــويل لمــن لــم تَشُــقهُ الحيـا
ة مــن صفْعــة العــدَم المنتصـرْ

كـــذلك قــالت لــيَ الكائنــاتُ
وحـــدثني روحُهـــا المســـتترْ

*****

ودمــدمتِ الــرِّيحُ بيــن الفِجـاج
وفــوق الجبــال وتحـت الشـجرْ:

إذا مـــا طمحــتُ إلــى غايــةٍ
ركــبتُ المُنــى, ونسِـيت الحـذرْ

ولــم أتجــنَّب وعــورَ الشِّـعاب
ولا كُبَّـــةَ اللّهَـــب المســـتعرْ

ومن يتهيب صعود الجبال
يعش أبَــدَ الدهــر بيــن الحــفرْ

فعجَّــتْ بقلبــي دمــاءُ الشـباب
وضجَّــت بصـدري ريـاحٌ أخَـرْ…

وأطـرقتُ, أصغـي لقصـف الرعـودِ
وعــزفِ الريــاحِ, ووقـعِ المطـرْ

*****

وقـالت لـي الأرضُ – لمـا سـألت:
أيــا أمُّ هــل تكــرهين البشــرْ?

أُبــارك فـي النـاس أهـلَ الطمـوح
ومــن يســتلذُّ ركــوبَ الخــطرْ

وألْعــنُ مــن لا يماشــي الزمـانَ
ويقنـــع بــالعيْشِ عيشِ الحجَــرْ

هــو الكــونُ حـيٌّ, يحـبُّ الحيـاة
ويحــتقر المَيْــتَ, مهمــا كــبُرْ

فـلا الأفْـق يحـضن ميْـتَ الطيـورِ
ولا النحــلُ يلثــم ميْــتَ الزهـرْ

ولــولا أمُومــةُ قلبِــي الــرّؤوم
لَمَــا ضمّــتِ الميْـتَ تلـك الحُـفَرْ

فــويلٌ لمــن لــم تشُــقه الحيـا
ة, مِــن لعنــة العــدم المنتصِـرْ!

*****

وفــي ليلــة مـن ليـالي الخـريف
مثقَّلـــةٍ بالأســـى, والضجـــرْ

ســكرتُ بهـا مـن ضيـاء النجـوم
وغنَّيْــتُ للحُــزْن حــتى ســكرْ

سـألتُ الدُّجـى: هـل تُعيـد الحيـاةُ,
لمـــا أذبلتــه, ربيــعَ العمــرْ?

فلـــم تتكـــلّم شــفاه الظــلام
ولــم تــترنَّمْ عــذارى السَّــحَرْ

وقــال لــيَ الغــابُ فــي رقَّـةٍ
مُحَبَّبَـــةٍ مثــل خــفْق الوتــرْ:

يجــئ الشــتاءُ, شــتاء الضبـاب
شــتاء الثلــوج, شــتاء المطــرْ

فينطفــئُ السِّـحرُ, سـحرُ الغصـونِ
وســحرُ الزهــورِ, وسـحرُ الثمـرْ

وســحرُ السـماءِ, الشـجيُّ, الـوديعُ
وســحرُ المـروجِ, الشـهيُّ, العطِـرْ

وتهـــوِي الغصــونُ, وأوراقُهــا
وأزهــارُ عهــدٍ حــبيبٍ نضِــرْ

وتلهــو بهـا الـريحُ فـي كـل وادٍ,
ويدفنُهَــا الســيلُ, أنَّــى عــبرْ

ويفنــى الجــميعُ كحُــلْمٍ بــديعٍ,
تـــألّق فـــي مهجــةٍ واندثــرْ

وتبقــى البــذورُ, التــي حُـمِّلَتْ
ذخــيرةَ عُمْــرٍ جــميلٍ, غَــبَرْ

وذكــرى فصــولٍ, ورؤيـا حيـاةٍ,
وأشــباحَ دنيــا, تلاشــتْ زُمَـرْ

معانقــةً – وهـي تحـت الضبـابِ,
وتحــت الثلـوجِ, وتحـت المَـدَرْ –

لِطَيْــفِ الحيــاةِ الــذي لا يُمَــلُّ
وقلــبِ الــربيعِ الشــذيِّ الخـضِرْ

وحالمـــةً بأغـــاني الطيـــورِ
وعِطْــرِ الزهــورِ, وطَعـمِ الثمـرْ

*****

ويمشـي الزمـانُ, فتنمـو صـروفٌ,
وتــذوِي صــروفٌ, وتحيـا أُخَـرْ

وتُصبِـــحُ أحلامُهـــا يقظَـــةً,
مُوَشَّـــحةً بغمـــوضِ السَّــحَرْ

تُســائل: أيــن ضبـابُ الصبـاحِ,
وسِــحْرُ المسـاء? وضـوء القمـرْ?

وأســرابُ ذاك الفَــراشِ الأنيــق?
ونحــلٌ يغنِّــي, وغيــمٌ يمــرْ?

وأيـــن الأشـــعَّةُ والكائنــاتُ?
وأيــن الحيــاةُ التــي أنتظــرْ?

ظمِئـتُ إلـى النـور, فـوق الغصونِ!
ظمِئـتُ إلـى الظـلِ تحـت الشـجرْ!

ظمِئـتُ إلـى النَّبْـعِ, بيـن المـروجِ,
يغنِّــي, ويــرقص فـوقَ الزّهَـرْ!

ظمِئــتُ إلــى نَغَمــاتِ الطيـورِ,
وهَمْسِ النّســيمِ, ولحــنِ المطــرْ

ظمِئـتُ إلـى الكـونِ! أيـن الوجـودُ
وأنَّـــى أرى العــالَمَ المنتظــرْ?

هـو الكـونُ, خـلف سُـباتِ الجـمودِ
وفـــي أُفــقِ اليقظــاتِ الكُــبَرْ

*****

ومـــا هــو إلا كخــفقِ الجنــا
حِ حــتى نمــا شــوقُها وانتصـرْ

فصَـــدّعت الأرضَ مــن فوقهــا
وأبْصــرتِ الكـونَ عـذبَ الصُّـوَرْ

وجـــاء الـــربيعُ, بأنغامِـــه,
وأحلامِـــه, وصِبـــاه العطِــرْ

وقبَّلهـــا قُبَـــلاً فــي الشــفاهِ
تعيــدُ الشــبابَ الــذي قـد غَـبَرْ

وقــال لهــا: قـد مُنِحْـتِ الحيـاةَ
وخُــلِّدْتِ فــي نســلكِ المُدّخَــرْ

وبـــاركَكِ النُّـــورُ, فاســتقبلي
شــبابَ الحيــاةِ وخِــصْبَ العُمـرْ

ومَــن تعبــدُ النــورَ أحلامُــه,
يُبَارِكُـــهُ النّــورُ أنّــى ظهــرْ

إليــكِ الفضــاءَ, إليــكِ الضيـاءَ
إليــك الــثرى, الحـالمَ, المزدهـرْ!

إليــكِ الجمــالَ الــذي لا يَبيــدُ!
إليــكِ الوجـودَ, الرحـيبَ, النضِـرْ!

فميـدي – كمـا شئتِ – فوق الحقولِ,
بحــلوِ الثمــارِ وغــضِّ الزّهَــرْ

ونــاجي النســيمَ, ونـاجي الغيـومَ,
ونــاجي النجــومَ, ونـاجي القمـرْ

ونـــاجي الحيـــاةَ وأشــواقَها,
وفتنــةَ هــذا الوجــود الأغــرْ

*****

وشـفَّ الدجـى عـن جمـالٍ عميـقٍ,
يشُــبُّ الخيــالَ, ويُــذكي الفِكَـرْ

ومُــدّ عـلى الكـون سِـحرٌ غـريبٌ
يُصَرّفــــه ســـاحرٌ مقتـــدرْ

وضـاءت شـموعُ النجـومِ الوِضـاءِ,
وضــاع البَخُــورُ, بخـورُ الزّهَـرْ

ورفــرف روحٌ, غــريبُ الجمـال
بأجنحــةٍ مــن ضيــاء القمــرْ

ورنَّ نشـــيدُ الحيـــاةِ المقـــدّ
سُ فــي هيكـلٍ, حـالمٍ, قـد سُـحِرْ

وأعْلِــنَ فــي الكـون: أنّ الطمـوحَ
لهيـــبُ الحيــاةِ, ورُوحُ الظفَــرْ

إذا طمحـــتْ للحيـــاةِ النفــوسُ
فــلا بــدّ أنْ يســتجيبَ القــدر


نشيد الجبار ( هكذا غنّى بروميثيوس )

سَأعيشُ رَغْمَ الدَّاءِ والأَعْداءِ
كالنِّسْر فوقَ القِمَّة ِ الشَّمَّاءِ

أَرْنو إِلَى الشَّمْسِ المضِيئّة ِ..،هازِئاً
بالسُّحْبِ، والأمطارِ، والأَنواءِ

لا أرمقُ الظلَّ الكئيبَ..، ولا أَرى
ما في قرار الهَوّة ِ السوداءِ…

وأسيرُ في دُنيا المشاعِر، حَالماَ،
غرِداً- وتلكَ سعادة ُ الشعراءِ

أُصغِي لموسيقى الحياة ِ، وَوَحْيها
وأذيبُ روحَ الكونِ في إنْشائي

وأُصِيخُ للصّوتِ الإلهيِّ، الَّذي
يُحيي بقلبي مَيِّتَ الأصْداءِ

وأقول للقَدَرِ الذي لا يَنْثني
عن حرب آمالي بكل بلاءِ:

"-لا يطفىء اللهبَ المؤجَّجَ في دَمي
موجُ الأسى ، وعواصفُ الأرْزاءِ

«فاهدمْ فؤادي ما استطعتَ، فإنَّهُ
سيكون مثلَ الصَّخْرة الصَّمَّاءِ»

لا يعرفُ الشكْوى الذَّليلة َ والبُكا،
وضَراعَة َ الأَطْفالِ والضُّعَفَاء

«ويعيشُ جبَّارا، يحدِّق دائماً
بالفَجْرِ..، بالفجرِ الجميلِ، النَّائي

واملأْ طريقي بالمخاوفِ، والدّجى ،
وزَوابعِ الاَشْواكِ، والحَصْباءِ

وانشُرْ عليْهِ الرُّعْبَ، وانثُرْ فَوْقَهُ
رُجُمَ الرّدى ، وصواعِقَ البأساءِ»

«سَأَظلُّ أمشي رغْمَ ذلك، عازفاً
قيثارتي، مترنِّما بغنائي»

«أمشي بروحٍ حالمٍ، متَوَهِّجٍ
في ظُلمة ِ الآلامِ والأدواءِ»

النّور في قلبِي وبينَ جوانحي
فَعَلامَ أخشى السَّيرَ في الظلماءِ»

«إنّي أنا النّايُ الذي لا تنتهي
أنغامُهُ، ما دامَ في الأحياءِ»

«وأنا الخِضَمُّ الرحْبُ، ليس تزيدُهُ
إلا حياة ً سَطْوة ُ الأنواءِ»

أمَّا إذا خمدَتْ حَياتي، وانْقَضَى
عُمُري، وأخرسَتِ المنيَّة ُ نائي»

«وخبا لهيبُ الكون في قلبي الذي
قدْ عاشَ مثلَ الشُّعْلة ِ الحمْراءِ

فأنا السَّعيدُ بأنني مُتَحوِّلٌ
عَنْ عَالمِ الآثامِ، والبغضاءِ»

«لأذوبَ في فجر الجمال السرمديِّ
وأَرْتوي منْ مَنْهَلِ الأَضْواءِ"

وأقولُ للجَمْعِ الذينَ تجشَّموا
هَدْمي وودُّوا لو يخرُّ بنائي

ورأوْا على الأشواك ظلِّيَ هامِداً
فتخيّلوا أنِّي قَضَيْتُ ذَمائي

وغدوْا يَشُبُّون اللَّهيبَ بكلِّ ما
وجدوا..، ليشوُوا فوقَهُ أشلائي

ومضُوْا يمدُّونَ الخوانَ، ليأكُلوا
لحمي، ويرتشفوا عليه دِمائي

إنّي أقول ـ لَهُمْ ـ ووجهي مُشْرقٌ
وَعلى شِفاهي بَسْمة اسْتِهزاءِ-:

"إنَّ المعاوِلَ لا تهدُّ مَناكِبي
والنَّارَ لا تَأتي عَلَى أعْضائي

«فارموا إلى النَّار الحشائشَ..، والعبوا
يا مَعْشَرَ الأَطفالِ تحتَ سَمائي»

«وإذا تمرّدتِ العَواصفُ، وانتشى
بالهول قَلْبُ القبّة ِ الزَّرقاءِ»

«ورأيتموني طائراً، مترنِّماً
فوقَ الزّوابعِ، في الفَضاءِ النائي

«فارموا على ظلّي الحجارة َ، واختفوا
خَوْفَ الرِّياحِ الْهوجِ والأَنواءِ..»

وهُناك، في أمْنِ البُيوتِ،تَطارَحُوا
عثَّ الحديثِ، وميِّتَ الآراءِ»

«وترنَّموا ـ ما شئتمُ ـ بِشَتَائمي
وتجاهَرُوا ـ ما شئتمُ ـ بِعدائي»

أما أنا فأجيبكم من فوقِكم
والشمسُ والشفقُ الجميلُ إزائي:

مَنْ جاشَ بِالوَحْيِ المقدَّسِ قلبُه
لم يحتفِلْ بفداحة الأعباءِ"

9 تعليقات

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
    موضوع رائع وإضافة جليلة .
    وأفتخر بنقلكم وأهنيكم على أمانتكم .
    أخوكم عبد العزيز القباني
    My recent post بماذا أوصى الأمير أحمد شوقي ؟

  2. اخ معاذ , خير الكلام ما قلّ ودل …
    جزاك الله خيرا .

  3. ولينصرن الله من ينصره…
    كيف ننصر الله وهو على كل شيئ قدير?
    المراد هنا الحث على العمل والتدبير ونصرة الدين فهذا نصرة الله. فان لم نفعل لن ينصرنا الله بقدره
    وحسب رأي المتواضع بيت الشعر يجسد هذا الفهم لهذه الايه

  4. طالبة علم نفس

    السلام عليكم:)

    أحد العلماء قال في جوابه على السؤال هل البيت حرام أم حلال أنه ليس حرام ويمكن استبداله بقول: أذا الشعب يوما أراد الحياة *** فذلك مما اقتضاه القدر

ما رأيك بما قلتُه؟ أسعدني برأيك !!