مع انه بدا مترددا في بداية خطابه، لكن خالد مشعل سرعان ما استرد عافيته الخطابية وكشف عن حنكته السياسية والدبلوماسية بل ومعرفته بأصول الحرب النفسية. وقد أبدى الامين العام للجهاد الاسلامي د. رمضان عبد الله شلّح هو الآخر منطقا مستقيما وعزّة وعزيمة وقوة عكست ما تحمله المقاومة الفلسطينية في غزة من مؤهلات النصر.
ثلاث نقاط اجدها جديرة بتسليط الضوء عليها من كلام مشعل في مؤتمر اعلان الهدنة وانتصار المقاومة الذي تكلم فيه خالد مشعل ورمضان عبد الله شلّح من القاهرة. (فيديو المؤتمر ادناه):
أولا: إيران
هاجم الكثيرون ولا يزالون، وأنا منهم، إيران بسبب موقفها الداعم للنظام السوري الوحشي في قمعه لأبناء شعبه. كما أن نفس الهجوم سرى ويسري على حزب الله.
المشترك بين حزب الله وإيران أمران: أنهما وقفتا مع المقاومة الفلسطينية بشكل ملاحظ في العقد الأخير، ومن ناحية أخرى انهما انحازتا الى النظام السوري في حربه الاخيرة الدموية على شعبه. لن أخوض في صحة موقف الطرفين في دعمها لنظام الأسد، واكتفي بالقول أن موقفهما مفهوم ومتوقــع، لكنه غير مقبول.
ما يعنيني هو أن خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس (عملياً، هو رئيس حماس) لم ينس الفضل ونسبه لأهله. لم يتنكر مشعل لفضل إيران وقال صراحة أنه رغم الاختلاف مع ايران في الموقف من النظام السوري مؤخرا، إلا ان الاسلحة التي استخدمت لصد العدوان الاسرائيلي جزء منها محلي الصنع لكن قسما منه كان دعما وهبة من إيران. هذا درس بليغ في أهمية رد الفضل لأهله وشكر اصحاب المعروف على معروفهم، ولو تغيرت الظروف وتبدلت المواقف، فالانسان الكريم لا ينسى فضلا ومعروفا أُسدي اليه.
ثانيا: فلسطينيو48
في كل جملة ذكر فيها مشعل صمود الشعب الفلسطيني في غزة، لم ينس أن يذكر أيضا الدعم والتفاعل المشرف لبقية الفلسطينيين في الضفة الغربية، و “اخواننا في 48” كما قال كل مرة . ورغم ان مساهمة فلسطينيي48 (وانا منهم) ربما لا تكون كافية، لكن مشعل لم ينسهم وأشاد بدورهم ومواقفهم خلال هذا العدوان. هذا مهم جدا وحيوي، لا يخدم مشعل نفسه، بل يخدمنا نحن الذين نواجه اصناف التهويد وألوانا ووسائل لمحو الذاكرة الجمعية لنا كفلسطينيين بقينا في أرضنا ونمارس صمودا من نوع آخر في مواجهة محاولات مسح الهوية الوطنية والدينية والقومية. تشديد مشعل وتكراره لقوله “واخواننا في 48” انما هو تمتين وتعزيز لرابط الشعب الواحد، الوطن الواحد، المصير الواحد.
ثالثا: مرسي
مع بداية الهجوم هاجم افراد وجماعات ينتمون للفكر “العلماني” و “الليبرالي” والقومي والناصري، وما شئت، هاجموا الرئيس المصري محمد مرسي. يومها كتبت على فيسبوك ما يلي (هنا):
من أول رصاصة اطلقت سارع بعض القوميين والعلمانيين (باختصار، الذين لا يحبون الاسلاميين) إلى الهمز واللمز والقول “أين انت يا سيد مرسي، أم أن الإخوان في غزة مش “اخوان”” ، ولم يجدوا طعنا في نزاهة مرسي وحركة الاخوان واتهاما لها بخيانة دماء الشهداء وثقة الشعب، إلا وقالوه.
لكنهم خرسوا بعد المواقف القوية جدا للرئيس مرسي، بل وإرساله وفدا رفيعا على رأسه رئيس الوزراء المصري الى غزة، ولم يتطرقوا لمواقف الحكومة التونسية التي يحكمها الاسلاميون ايضا والتي اعلنت ان وفدا رفيعا آخر سيتوجه الى غزة للتضامن مع اهلها.
نريد منكم كلمة صادقة ومواقف منصفة يا رفاق، لا تتركوا الحقد الحزبي يعمي ابصاركم.
ويومها رد علي البعض قائلين ان المطلوب ليس تصريحات بل افعال. وقد نسي اولئك أننا حين نقيّم موقفا معينا، يكون جزء من التقييم مقارنة هذا الموقف بالمواقف السابقة، او ما هو متوقع بناء على المواقف السابقة والغالبة.
موقف مرسي وتصريحاته النارية، بل وأفعاله، حين سحب السفير المصري (وهي خطوة في غاية الشجاعة والقوة) وقام بارسال وفد رفيع المستوى الى غزة للتضامن مع أهلها، لا يقاس فقط بما يحققه على الأرض، بل يقاس بالكيفية التي تفهمه بها الجهات الصهيونية المعتدية.
فأولا: جاء موقف مرسي قفزة نوعية ليس على مستوى ما عهدناه من المخلوع مبارك الذي لم يقف مع شعب غزة، بل وقف مع الاحتلال ضدهم، بل أيضا على مستوى كل الرؤساء العرب الذين لم نسمع من أحدهم على مدى عقود طويلة تصريحا قويا شجاعا ثابتا يهاجم اسرائيل ويدعوها بلهجة شديدة لوقف العدوان، كما سمعناه من مرسي.
ثانيا: جاهل بالسياسة والمنطق والتاريخ من يظن أن الرد المصري حتى يثبت وفاءه لفلسطين يجب أن يكون ردا عسكريا مباشرا، بل إن هذا سيكون ردا غير حكيم إن أقدمت القيادة المصرية عليه في ظل كونها دولة ناشئة لا زالت تحاول النهوض والانطلاق. الرد وموقف مرسي كان بطريقة أخرى، وقد فهمه الاسرائيليون جيّداً.
فهمت اسرائيل أن الواقع تغير فعلا، وأن اتفاقية كامب ديفيد، وهي ضمان أمن اسرائيل في المنطقة، باتت مهددة بالخطر بضغط من الشعب المصري وقيادته إن واصلت اسرائيل عدوانها.
فهمت اسرائيل أن سفنها التي تمر من قناة السويس باتت هي ايضا مهددة من قبل الشعب المصري الذي لن تقف امامه القيادة المصري المنحازة الى غزة، حين يقوم بجماهيره الغاضبة بالاعتصام في قناة السويس ومنع السفن الاسرائيلية التي تزود اسرائيل بثلث بضائعها العالمية من المرور !!
فهمت إسرائيل أن القيادة المصرية المنحازة للشعب الفلسطيني لن تتعامل مع المسلحين في سيناء حين يستهدفون إيلات والمستوطنات الاسرائيلية في الجنوب، بنفس الطريقة التي تعامل معهم بها مبارك المخلوع، وستترك لهم مساحة واسعة من التصرف.
والخلاصة ان موقف الاخوان المسلمين ورئيسهم الحكيم د. محمد مرسي رئيس جمهورية مصر العربية، كان موقفا مشرفا ساهم بشكل كبير في وقف العدوان، ولو كان بطريقة غير مباشرة.
ولذلك فقد أشاد مشعل مرارا وتكرارا بالرئيس مرسي، ليس لموقفه الداعم صراحة وفعلا لغزة، بل أيضا لانه لعب دورا هاما في جعل إسرائيل ترضخ لشروط الهدنة كما أرادتها حماس وفصائل المقاومة؛ وهي شروط حولت العدوان على غزة إلى انتصار حقيقي ومدّوي وجبار للمقاومة الفلسطينية.
يسعدني ان تعيدوا النشر :)
جميل جداا هذا التحليل والقراء للواقع
أخي الحبيب معاذ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ربما لا تذكرني لكن إسأل والدك الشيخ كمال حفظه الله تعالى وسيجيبك بإذن الله، وأدعها أمانة عندك أن تبلغه مني السلام ولك جزيل الشكر واعلم أني أحبّكما في الله .
قرأت مقالتك " 3 نقاط قصيرة… " وأثلج صدري فهمك للأمور وسعة آفاقك ودقّة تحليلاتك لما وراء المنظور والسطور. كيف لا وذاك الشبل من ذاك الأسد.
وكم أعجبني ما أنت عليه من علم وثقافة وأقول ما شاء الله لا قوّة إلا بالله . إلى الأمام سر مرفوع الهامة مسدّد الخطى برضى الله تعالى عليك ثمّ برضى والديك. أخوك في الله الأستاذ وليد شقير – أبو فادي -طمرة